عندي كلب أربيه للحراسة وهو يكلفني في أكله، وهو يحتاج إلى مدرب للتدريب، وعندي فرصة في زواجه وهذا الموضوع ممكن أن آخذ عليه أجرًا؛ فهل يجوز؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد ورد النهي في السنة عن ضِراب الفحل أو عسب الفحل، وعسب الفحل ماؤه، أي منع من أخذ المال على ذلك سواء أكان بالإجارة على هذا الضراب أم كان ببيع هذا الماء. أما إن بذل ذلك على سبيل العارية فلا حرج، وكذلك إن بذل شيء من المال بغير مشارطة على سبيل الكرامة فلا حرج؛ فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل(1).
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضِراب الجمل(2).
والعلة في ذلك كما قال الحافظ في «الفتح»: « لأنه غير متقوَّم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه»(3).
ثم قال: «ثم النهي عن الشراء والكراء إنما صدر لما فيه من الغرر، وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه؛ فإن أهدي للمعير هدية من المستعير بغير شرط جاز. وللترمذي من حديث أنس: أن رجلًا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل فنهاه، فقال: يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنكرم! فرخص له في الكرامة(4)»(5).
فالمنع لأجل أن هذا الماء غير متقوم، وغير معلوم، ولا يمكن صاحبه تسليمه، وليس المنع لكون البهيمة المطروقة قد تحمِل وقد لا تحمل.
وقد سئلت اللجنة الدائمة ببلاد الحرمين هذا السؤال: يوجد في منطقة باشوت شمران عدد كثير من الأبقار التي لا تقل عن الألفين بقرة من الإناث، ولا يوجد لها ذكور، وعندما وجدنا في هذه المنطقة ثور عند شخص، هذا الشخص عندما طلبنا منه الثور امتنع حتى من الأجرة قائلًا: إن الأجرة حرام في هذا الشيء. والسؤال هو: لو أخذ شخص ثورًا وقام بتأجيره على أصحاب الأبقار هل هذا حرام أم لا؟
الجواب: لا يجوز أخذ الأجرة على ضِراب الفحل للبقر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع عسب الفحل. والعسب هو: ماؤه، وفي هذه الحالة يمكن لأصحاب البقر أن يشتروا ثورًا ولو بالاشتراك لبقرهم. انتهى.
وفي «الموسوعة الفقهية» (30/ 94): «اتفق الفقهاء على عدم جواز بيع عسب الفحل؛ لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام، وعن ثمن الكلب، وعن عسب الفحل».
وعلل الكاساني النهي بأن عسب الفحل: ضرابه، وهو عند العقد معدوم(6).
أما الإجارة فقد رأى جمهور الفقهاء: الحنفية(7)، وفي الأصح عند الشافعية(8)، وأصل مذهب الحنابلة(9)، عدم جواز إجارة الفحل للضراب، للأحاديث السابقة.
قال الكاساني: قد روي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن عسب الفحل، ولا يمكن حمل النهي على نفس العسب، وهو الضراب؛ لأن ذلك جائز بالإعارة، فيحمل على البيع والإجارة، إلا أنه حذف ذلك وأضمره فيه كما في قوله تعالى:{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82].
وقال المالكية(10)، وهو مقابل الأصح عند الشافعية: أنه يجوز إجارة الفحل للضراب. وقيد المالكية الجواز بما إذا كان الاستئجار لزمان معين كيوم أو يومين، أو لمرات معينة كمرتين أو ثلاث، ولا يجوز استئجار الفحل للضراب إلى حمل الأنثى عند المالكية(11).
وقال الحنابلة: إن احتاج إنسان إلى استئجار الفحل للضراب، ولم يجد من يطرق له مجانًا، جاز له أن يبذل الكراء؛ لأنه بذل لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها انتهى(12). والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الإجارة» باب «عسب الفحل» حديث (2284) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم بيع فضل الماء الذي يكون بالفلاة» حديث (1565).
(3) «فتح الباري» (4/461).
(4) أخرجه الترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء في كراهية عسب الفحل» حديث (1274) ، وقال: «هذا حديث حسن».
(5) «فتح الباري» (4/461).
(6) بدائع الصنائع (5/ 139).
(7) جاء في«بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (4/175) (ولا يجوز استئجار الفحل للضراب لأن المقصود منه النسل وذلك بإنزال الماء وهو عين وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عسب الفحل أي كرائه).
(8) جاء في«المجموع» من كتب الشافعية (14/202) (والقسم الثالث ما تجوز إعارته ولا تجوز إجارته كالفحول إذ إجارتها ثمن لعسبها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن عسب الفحل).
وجاء في«العزيز شرح الوجيز» من كتب الشافعية (8/191) (والحاصل ان بذل المال للضراب ممتنع بطريق البيع لان ماءه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (وأما) بطريق الاستئجار ففيه وجهان قد ذكرهما في الكتاب في باب الاجارة (أصحهما) المنع).
(9) جاء في في«المغني» من كتب الحنابلة (4/300) (عسب الفحل ضرابه وبيعه أخذ عوضه وتسمى الأجرة عسب الفحل مجازا وإجارة الفحل للضراب حرام والعقد فاسد).
(10) جاء في «حاشية الدسوقي » من كتب المالكية (3/58) ((وجاز زمان) أي جاز الاستئجار على ضرابة زمانا معينا أو مرات معينة فإن جمع بينهما كثلاث مرات في يوم لم يجز).
(11) جاء في في «شرح مختصر خليل » من كتب المالكية (5/72) (وكعسيب الفحل يستأجر على عقوق الأنثى (ش) يعني أنه ورد النهي عن أن يؤاجر فحله ليضرب الأنثى حتى تحمل ولا شك في جهالته إذ قد لا تحمل فيغبن رب الفحل وقد تحمل في زمن قريب فيغبن رب الأنثى).
(12) جاء في «كشاف القناع » من كتب الحنابلة (3/563) ((فإن احتاج) إنسان (إلى ذلك ولم يجد من يطرق له) دابته مجانا (جاز له) أي لرب الدابة (أن يبذل الكراء) لأنه بذل لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها فجاز (كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه ويحرم على المطرق) وهو رب الفحل (أخذه) أي العوض للنهي السابق).