أنا أشتري زجاجات ماء الشرب من المصنع الذي يقوم بمعالجة المياه وتعبئتها، ثم بعد شرائها بعد أن أكون قد سددت ثمنها وقبضتها أقوم بتعبئتها في سيارة نقل البضائع وأبيعها إلى المحلات التجارية بزيادة عن سعر شرائها من المصنع، والمحلات التجارية بدورها تبيعها للمستهلك. فهل عملي هذا حلال أو حرام؟ حيث قال لي بعض الناس: إن بيع ماء الشرب حرام. فهل هذا صحيح أو لا؟ وهل صحيح أن الربح في الإسلام لا يجب أن يزيد عن ثلث الثمن الأصلي، يعني إذا اشتريت زجاجة الماء بدينار يجب أن أبيعها بدينار وربع، فإذا زاد عن ذلك فهذا حرام. فما مدى صحة هذا الكلام؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمياه المصانع التي تتحدث عنها لا حرج في بيعها، ومصادر المياه غيرها كثير، وهذه المياه قد بذلت المصانع في تنقيتها وتصفيتها من الشوائب جهودًا خاصة تقتضي تملكهم لما أنتجوه منها، وإنما يمتنع بيع الماء إذا اشتدت حاجة الناس إليه واستبد بهم العطش، ولا تزال المياه الصحية تباع في أسواق المسلمين في مشارق ديار الإسلام ومغاربها، تحت سمع وبصر كبار أهل العلم بغير نكير فانعقد هذا إجماعًا على مشروعية بيعها، بل لو أعد الشخص بِرَكًا وغيرها ليجمع فيها ماء الأمطار فإنه يتملك هذا الماء ويصح بيعه إذا كان معلومًا.
جاء في «المغني»: «فأما المصانع المتخذة لمياه الأمطار تجمع فيها ونحوها من البرك وغيرها، فالأولى أنه يملك ماءها، ويصح بيعه إذا كان معلومًا، ومثل ذلك لو نبعت عين في أرضه فيجوز له الانتفاع بمائها وبيعه، ولا حرج عليه في منعه عن الغير إذ لم تكن الحاجة إليه ضرورية كالشرب»(1).
هذا ولا يوجد حد أقصى لأرباح التجار، ولا يقيدهم في ذلك إلا ما جاءت به الشريعة من خلق السماحة في البيع والشراء والاقتضاء، ومن خلق الرفق والترافق التي تبنى عليه العلائق في جماعة المسلمين، وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي في هذا الشأن في دورة مؤتمره الخامس بالكويت أسوقه لك بنصه تتميمًا للفائدة، ومنه يتأكد هذا الجواب:
أولًا: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشَّرعية ترك النَّاس أحرارًا في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم، في إطار أحكام الشَّريعة الإسلاميَّة الغراء وضوابطها، عملًا بمطلق قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
ثانيًا: ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التَّاجر في معاملاته، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التَّاجر والسلع، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشَّرعية من الرفق والقناعة والسَّماحة والتَّيسير.
ثالثًا: تضافرت نصوص الشَّريعة الإسلاميَّة على وجوب سلامة التَّعامل من أسباب الحرام وملابساته، كالغش والخديعة والتدليس والاستغفال وتزييف حقيقة الربح، والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.
رابعًا: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللًا واضحًا في السوق والأسعار ناشئًا من عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش. والله أعلم.
_____________________
(1) «المغني» (4/61-63).