هل من دليلٍ من الكتاب أو السُّنة يبيِّن حكمَ بيع المعاطاة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن بيعَ المعاطاة يندرج تحت عموم النُّصوص الدَّالَّة على حِلِّ البيع؛ لأن المقصودَ من الصِّيغة هو التَّحقُّق من حصول التَّراضي الـمنصوص عليه في قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ»(1)، وفي بيع المعاطاة تحقَّق التَّراضي بالعرف، فإن مَن عَرَض السلعة وكتب عليها ثَمَنها ووضعها في جهاز البيع الآليِّ مثلًا، وعرف المشتري كيف يحصل على هذه السلعة إذا دفع الثمن، فقد أعرب عن رضاه يقينًا بهذه التَّدابير.
ومن الأَدِلَّة على اعتبار العُرْف قولُ ابن مسعود رضي الله عنه : ما رآه المسلمون حَسَنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيِّئًا فهو عند الله سيِّئ(2). وقولُ أهل العلم: «الثَّابت بالعُرْف كالثَّابت بالنص»، و«العادة محكَّمة» أي معمول بها شرعًا.
قال الشاطبي :: «العوائد الجارية ضروريَّةُ الاعتبار شرعًا، كانت شرعيَّةً في أصلها أو غير شرعيَّة، أي: سواء أكانت مقررة بالدَّليل شرعًا أمرًا أو نهيًا أو إذنًا، أم لا. أما الـمُقرَّرة بالدَّليل فأمرها ظاهر، وأما غيرها فلا يستقيم إقامةُ التَّكْليف إلا بذلك»(3).
لأن الشَّارعَ لما جاء باعتبار المصالح- كما هو معلوم قطعًا- لزم القطعُ بأنه لابُدَّ من اعتباره العوائد؛ لأن أصل التَّشْريع سببه المصالح، والتَّشْريع دائم، فالمصالح كذلك، وهو معنى اعتباره للعادات في التَّشْريع. ووجهٌ آخر، وهو أن العوائد لو لم تُعتبر لأدَّى إلى تكليف ما لا يُطاق، وهو غير جائزٍ أو غير واقع. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب «التجارات» باب «بيع الخيار» حديث (2185) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (3/17) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/379) حديث (3600)، والحاكم في «مستدركه» (3/83) حديث (4465). وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
(3) «الموافقات» (2/286).