شيخنا الكريم، حصلت على قطعة أرض بناء بنظام القرعة العلنية للإسكان الاجتماعي من هيئة المجتمعات العمرانية وسددت القسط الأول منها، والمتبقي 3 أقساط على 3 سنوات حتى يكتمل سداد كامل الثمن، وكان معي مبلغ من المال لبنائها؛ حيث كان من ضمن الشروط أن يتم تسليمي الأرض خلال 3 أشهر من تاريخ إجراء القرعة، على أن أقوم ببنائها خلال 5 سنوات من تاريخ تسلم الأرض، وحتى الآن مر أكثر من عام و5 أشهر ولم أتسلم الأرض، وقاموا بتأجيل الأقساط المتبقية؛ ليبدأ أول قسط بعد التسلم بعام، وحتى الآن لا أحد يعلم موعد التسلم؛ لذلك قمت بشراء قطعة أرض أخرى بالمبلغ الذي كنت قد خصصته لبناء القطعة الأولى في مكان آخر حفظًا لقيمة المال الذي معي بدلًا من وضعه بالبنك وانخفاض قيمته السوقية، وهذه القطعة أقرب للعمران من القطعة الأولى.
بعد ذلك جاءني عرض ببيع هذه القطعة التي حصلت عليها من هيئة المجتمعات العمرانية بالقرعة التي لم أتسلمها حتى الآن، ولم أسدد إلا قسطًا واحدًا فقط، والمتبقي عليَّ 3 أقساط؛ حيث سيقوم المشتري بسداد الثلاثة أقساط المتبقية عني وإعطائي مبلغًا من المال نظير بيعي وتنازلي عن قطعة الأرض، وبذلك يسقط حقي في التقديم على قطعة أرض أخرى من هيئة المجتمعات العمرانية؛ حيث إنه لكل مواطن قطعة واحدة فقط، مع العلم أنه من الشروط الموجودة بكراسة الشروط أنه يحظر التصرف في الأرض أو التنازل عنها للغير إلا بموافقة هيئة المجتمعات العمرانية، وبعد توافر الشروط الآتية مجتمعة:
1 – سداد كامل الثمن.
2 – الانتهاء من تنفيذ كامل المبنى شاملًا تشطيب الواجهات الخارجية والسور الخارجي لقطعة الأرض.
3 – مرور 5 سنوات من تاريخ اعتماد شهادة صلاحية المبنى بالكامل للإشغال من جهاز المدينة، وهذا البيع الذي تم عرضه عليَّ يتم بطريقة غير مباشرة وغير قانونية؛ لأن الدولة تمنع البيع؛ حيث يتم عمل توكيل للمشتري في الشهر العقاري وعقد بيع ابتدائي.
والمال الذي كنت سآخذه من تنازلي عن هذه الأرض كان سيساعدني في بناء القطعة الأخرى التي اشتريتها مؤخرًا، فسؤالي بارك الله فيكم:
1 – هل ما سأفعله حرام؟ وهل المال الذي سآخده حرام، مع العلم أن الهيئة لم تنفذ وعدها لنا بتسليم الأرض بعد 3 شهور طبقًا لكراسة الشروط؟
2 – هل يمكن شرعًا البيع بهذه الطريقة (وديًّا وغير قانوني بطريقة غير مباشرة؛ حيث يتم عمل توكيل للمشتري في الشهر العقاري وعقد بيع ابتدائي) رغم عدم سدادي الأقساط وعدم تسلمي للأرض، لكن يسقط حقي في التقديم على قطعة أخرى؟
3 – هل لو بعتها بعد تسلمها وقبل سداد كامل الأقساط يكون حرامًا؟
4 – هل لو بعتها بعد تسلمها وبعد سداد كامل الأقساط لكن قبل بنائها يكون حرامًا؟
5 – ماذا لو لم أبعها وأعطيتها لمقاول قام ببنائها وأعطيته (دورين وأخذت دورين مثلًا) هل هذا حرام شرعًا لاشتراط كراسة الشروط عدم البيع إلا بعد بنائها ومرور 5 سنوات؟ وجزاكم الله عنا كل الخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
ففي قضيتك ملحظان: ملحظ القواعد التي تصح بها العقود، وملحظ الوفاء بالعهود.
فأما الملحظ الأول فلا ينبغي أن تباع هذه الإيصالات قبل التخصيص وإفراز القطعة المبيعة على الواقع، وهو الأمر الذي يعلم به موقعها، وتتأكد به ملكيتها، والبيع قبل ذلك يكتنفه غررٌ فاحش فلا يشرع؛ لأن قيم الأراضي تختلف باختلاف مواقعها فضلًا عن عدم تأكد ملكيتها في هذه المرحلة، فبيعك للأرض قبل تخصيصها واستلام ملكيتها لا يصح؛ لأنك غير قادر على تسليمها، ولأنها لم تستقر في ملكك استقرارًا حقيقيًّا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»(1).
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما رأيكم في الذين يأخذون منح الأراضي يأخذون رقمها ويبيعونها قبل استلامها؟ فأجاب: هذا لا يجوز، هذا غرر، ما يجوز حتى يحوزها؛ يعرفها ويتم ملكه عليها.
وأما الملحظ الثاني وهو ملحظ الوفاء بالعقود، فقد دخلت في عقد مع هذه الجهة، ووقعت على الالتزام بهذه الشروط، وهو وإن كان عقد إذعان، إلا أنه يظل له حكم العقد، أو شبهة العقد على أدنى تقدير، فلا ينبغي الإخلال به إلا تحت وطأة الضرورات.
ولعل أقرب هذه الخيارات المطروحة إلى القبول خيار المشاركة مع أحد التجار، حيث يقوم ببناء الأرض، ويُملكك نصفها مقابل الأرض، فلعل هذا أقربها إلى روح العقد ومقصوده.
والخلاصة أنني أختار لك التربص والانتظار إن قدرت على ذلك، ولعل الله أن يرزقك من خلال هذا الالتزام أضعاف ما تنشده من الربح في وضعك الراهن، وإن عجزت عن ذلك فخيار المشاركة هو أقربها إلى القبول. والله تعالى أعلى وأعلم.
——————————–
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 174) حديث (6628)، وأبو داود في كتاب «البيوع» باب «في الرجل يبيع ما ليس عنده» حديث (3504)، والترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك» حديث (1234) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.