فضيلة الأستاذ الدكتور: أرجو التكرم بالإجابة عن السؤالين التاليين:
السؤال الأول: هناك قطع أراضٍ أو شقق تباع عن طريق الحجز ودفع مقدم الثمن، ويعطى الحاجز إيصالًا بأنه قد دفع مبلغ كذا مقدم حجز لقطعة أرض أو شقة في المنطقة الفلانية فقط (دون تحديد موقعها تفصيلًا، ودون تحديد مساحتها بدقة، وإنما تكون المساحة معلومة بالتقريب أنها ما بين 500 و700 متر مثلًا، ودون تحديد كامل ثمنها بدقة وإنما يكون ثمن المتر معلومًا بالتقريب أنه ما بين 400 و500 جنيه مثلًا) ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التخصيص على الخرائط، فيختار كل شخص القطعة أو الشقة المناسبة له ويعرف موقعها ومساحتها تحديدًا، وبناءً على ذلك يتم تحديد كامل ثمن القطعة أو الشقة بحسب تميزها، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التسليم على الطبيعة ودفع باقي الثمن المحدد على أقساط أو دفعات.
والسؤال: هل يجوز التعامل على إيصالات الحجز هذه بالبيع والشراء والمتاجرة فيها قبل التخصيص والتسليم؟ وهل يعتبر هذا من بيع الحقوق المشاعة قبل تقسيمها؟ أو من بيوع الجهالة والغرر المحرمة؟ علمًا بأن الذي يشتري هذه الإيصالات يدفع ما دفعه الحاجز مع زيادة ربح فقط، ولا يدفع ثمن قطعة الأرض أو الشقة، ثم قد يقوم هو ببيعها مرة أخرى لشخص آخر بزيادة أخرى، وقد ينتظر حتى يتم التخصيص والتسليم ثم يبيعها لشخص آخر بربح أعلى.
السؤال الثاني: هناك قطع أراضٍ أو شقق تباع من الحكومة أو من بعض الهيئات بشيء من التخفيض، وتشترط على من يشتريها ألا يبيعها أو يتنازل عنها لغيره. فهل يجوز التعامل على مثل هذه الأراضي والشقق بالبيع والشراء والمتاجرة؟ وهل يعتبر هذا الشرط شرطًا فاسدًا لا عبرة به؟ أو هو شرط من الشروط المعتبرة الصحيحة التي توضع للمصلحة العامة ولا تجوز مخالفته؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خير الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيبدو لي أنه لا حرج في بيع هذه الإيصالات لأنها تمثل بيعًا لحقوق شائعة قبل قسمتها وإفرازها، ولا حرج في ذلك في الشريعة، وأما ما تتضمنه من غرر فهو غرر يسير لا يفسد هذه المعاملة، لتضمن العقد وملابسات التعاقد إمكانية تحديد المعقود عليه من ثمن ومن مبيع بيسر، والغرر يغتفر يسيره كما هو معلوم.
ولكن يبقى بعد ذلك ما ينبغي أن تتقيد به هذه المعاملات وأمثالها من القيود العامة في الشريعة من وجوب الرفق، وتجنب الجشع والطمع والتشوف إلى أكل أموال الناس بالباطل ونحوه، والله تعالى أعلى وأعلم.
أما الجواب عن المسألة الثانية ففيها ملحظان:
الأول: من حيث القواعد العامة في العقود التي تمنع من الشروط المنافية لمقتضى العقد، ومن بينها تقييد حرية المشتري، ومنعه من مباشرة التصرفات المشروعة في المبيع، ومن هذه الناحية لا ينبغي أن يتضمن العقد ما يشل إرادة المتعاقد عن التصرفات المشروعة في الشيء المبيع ومنها إعادة البيع والتصرف في المبيع بالهبة ونحوه.
الثاني: وهو يتعلق بالولاية العامة المعقودة لجهة البيع على سائر المتعاقدين، فللبائع من هذه الجهة- وليس من جهة التعاقد- أن يقيد بعض المباحات تحقيقًا للمصلحة العامة، ولاسيما إذا قدم في سبيل ذلك بعض التيسيرات كتخفيض الأسعار وتيسير الإجراءات ونحوه، وهذا الملحظ يجعل مثل هذا الاشتراط في دائرة الاجتهاد فلا تفسد بمثله العقود. والله تعالى أعلى وأعلم.