يُشكِّك البعضُ في البنوك الإسلاميَّة ويقول: إنها مثل البنوك الرِّبَوِيَّة ولا فرق. فما رأي فضيلتكم؟ وهل يجوز لي وضع أموالي في البنوك الإسلاميَّة؟ وهل يجوز التصدُّقُ بالفوائد العائدة من البنوك الرِّبَوِيَّة؟ وإذا كان هذا جائزًا فهل يجوز التصدُّق بها للمساجد مثلًا أو أن أُعطِيَها هديةً لشخص، أم أن هناك مصارفَ مُحدَّدة؟ وهل يأخذ هذا الـمُتصدِّق أجرًا على ذلك؟ وهل يلحق فاعل هذا الأمر إثم الرِّبا أم لا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن البنوكَ الإسلاميَّة حقيقةٌ قائمة وواعدة، وقد أعلنت في مواثيق تأسيسها على الاحتكام إلى مرجعية الشَّريعة وتفعيل الصيغ الشَّرْعية لتكون بديلًا من المعاملات الرِّبَوِيَّة، ولكلِّ بنكٍ منها هيئةُ رقابةٍ شرعية تُشرف على مشروعية عقوده وتصرفاته وتُراقبها، وتستدرك على ما يخالف منها الشَّريعة، لكنها وهي تسير على هذا الطَّرِيق قد يعتريها بعضُ الوَهَن كما قد يشوب تطبيقاتِها شيءٌ من الدَّخَن، إلا أن هذا لا ينعكس على شرعية الفكرة بالانهيار كما يُريد أن يُروِّجَ ذلك المرتابون؛ فَضَعْ أموالَك في البنوك الإسلاميَّة ما دُمْتَ لا تستطيع استثمارها بنفسك في مشروعاتٍ اقتصادية نافعة.
أمَّا عوائد البنوك الرِّبَوِيَّة فإنها الرِّبا الحرام، لا يجوز لشخصٍ أن يستمرَّ في إيداعه في المصارف الرِّبَوِيَّة وهو قادرٌ على التَّحَوُّل إلى المصارف الإسلاميَّة، وإن اضطُر للإيداع فيها لانعدام البديل فلا يحلُّ له أن يُودع أمواله في حساباتٍ استثمارية تدرُّ عليه فوائدَ ربَوِيَّة، بل يفتح حسابًا جاريًا يحفظ فيه أموالَه فحسب.
أمَّا من استُحقت له فوائدُ عن فترةٍ ماضية قبل علمه بالتَّحْريم أو قبل تديُّنه واستقامته على أمر الله عز وجل فإن هذه الفوائدَ لا تُتموَّل ولا يُنتفع بها، كما أنها لا تُترك للمصارف الرِّبَوِيَّة تتقوَّى بها على المزيد من العقود الرِّبَوِيَّة أو تُوجِّهها إلى مصارفَ تُسخط اللهَ ورسوله، وإنما تُقبض ويُتخلَّص منها بتوجيهها إلى المصارف العامَّة بنية التَّخلُّص وليس التصدُّق، فـ «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا»(1)، وأرجو أن يثاب على ذلك ثواب العفة عن الحرام. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الزكاة» باب «قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها» حديث (1015)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .