اقتراض أكثر من 50% من قيمة رأس مال شركة ومصنع من البنوك الربوية

قد تحدثت أنا وأخي إلى فضيلتكم منذ ١٠ أيام تقريبًا على الهاتف من مصر، بخصوص حكم أرباح شركتنا.
نحن نعمل في شركة والدنا ونأخذ راتبًا على العمل، وفي نفس الوقت نأخذ أرباحًا سنوية لامتلاك كلٍّ منا نصيبًا 7% من الأسهم كتبه الوالد لنا.
نمتلك شركةً تجارية ومصنعًا ونسبتنا في كليهما واحدةٌ (٧٪). في الشركة التجارية والمصنع نأخذ من البنوك الربوية قروضًا طويلة وقصيرة الأجل، ونسبتها أكثر من ٥٠٪ من رأس مال الشركة. مثال: نمتلك 10 ملايين ونقترض أكثر من 10 ملايين.
وفي بعض الأوقات قد تصل الديون لدى البنوك إلى ضعف رأس المال، وليس لدينا في المصنع ولا في الشركة التجارية حسابٌ في البنوك نأخذ عليه فوائد.
لقد تحدثت أنا وأخي مع والوالد في حرمانية أكل الربا، ولكنه ملتبس عليه الأمر من كلام شيوخ الإفتاء في مصر.
الحمد لله بعد ضغط منا بدء التعامل بالفعل مع أحد البنوك الإسلامية في إحدى الشركات، ولكن هناك أكثر من أربع بنوك ربوية ما زلنا نتعامل معها حتى الآن، وهي تمثل أغلب الديون. السؤال: ما حكم الأرباح التي نأخذها من كل شركة؟

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الاقتراض بالربا من كبائر الذنوب التي تستوجب مقتَ الله وسخطه، وتضع صاحبها في حرب مع الله ورسوله(1). كما تقتضي المحق وزوال النعمة لا محالة، فالربا وإن كثُر عاقبته إلى أقل.
ومن كان في موضع اتخاذ القرار والقدرة على التغيير لا يحلُّ له أن يقرَّ هذا المنكر، أو أن يسكت على هذه الكبيرة.
أما صغار المساهمين الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يملكون قرارًا فهل يجوز لهم المساهمة في هذه الشركات أم لا؟
موضع نظر بين أهل العلم، والقائلون بجواز المساهمة فيما سُمي بالشركات المختلطة، وهي التي يكون أصلُ نشاطها في أغراض مباحة لكنها تتعامل ببعض المعاملات المحرمة، كالاقتراض أو الإيداع الربوي، فقد وضعوا لذلك جملة من الضوابط، وذكروا منها:
• أن يكون أصلُ نشاط الشركة في أغراضٍ مباحة، كالأغراض الزراعية والتجارية والصناعية والتقنية ونحو ذلك، أما إذا كان في أغراض محرَّمة فيحرم الدخول فيها مطلقًا، كالبنوك التجارية التي تتعامل بالربا، وشركات التأمين، والإعلام الهابط، والتبغ، وشركات بيع الخمور ونحو ذلك.
• ألا تزيد المصروفات المحرمة على 5% من مصروفات الشركة، وبشرط ألا تزيد القروض التي على الشركة بفوائدها على 30% من إجمالي المطلوبات.
• ألا تزيد الإيرادات المحرمة على 5% من إيرادات الشركة، وبشرط ألا تزيد الاستثمارات ذات الإيرادات المحرمة على 30% من إجمالي الموجودات.
• تطهير الأرباح التي يتسلمها المساهم من الشركة بالتخلُّص من نسبة الإيرادات اليسيرة المحرمة، أي أن يتخلص من 5% من الأرباح المستحقة له؛ لأن الفرض أن الإيرادات المحرمة لا تزيد عن تلك النسبة، أما لو زادت فلا يجوز الدخول في هذه الشركات أصلًا.
ولما كانت نسبة القروض التي على الشركة تزيد على خمسين في المائة من رأسمالها فقد أصبحنا أمام معضلة حقيقية في مشروعية هذه الإيرادات، وما دمتم لا تملكون قرارًا ولا تستطيعون تغييرًا فالذي أرى هو التخلص من نصف أرباحكم من رأس المال الربوي، كما فعل عُمَر عندما قاسم أولاده أرباح المال الذي أقرض لهم من بيت المال قرضًا حسنًا ليتَّجِرَا فيه؛ لأن كل الجيش لم يحصل على مثل هذا القرض، فاعتبر حصولهما على هذا المال لم يكن بطريق مشروع، فجعل المالَ مضاربةً، وترك لهم نصف الربح وأخذ لبيت المال نصفَه(2).
وفي اللحظة التي تملكون فيها القرارَ ينبغي لكم إيقافَ هذا التمويل الربوي لمشروعاتكم، والاكتفاء بالحلال الذي يسَّره لكم الله عز وجل.
وأسأل الله لكم ولوالدكم الهدى والتقى، والعفاف والغنى، وحسن الخاتمة. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________
(1) قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة: 278، 279].
(2) القصة أخرجها مالك في «موطئه» (2/687) حديث (1372) من قول أسلم العدوي رحمه الله.

تاريخ النشر : 20 يوليو, 2024
التصنيفات الموضوعية:   02 الربا والصرف

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend