أحد الإخوة طلب من صديق له القيام بخدمة ما، وبعد القيام بها أصرَّ ذلك الصديق على عدم أخذ تكلفتها وأقسم على ذلك، فقام الشخص الآخر بتحويل تكلفة تلك الخدمة لصديقه بتحويل بنكي، فهل على الشخص المقسِم كفارة يمين؟ وهل يأثم الشخص الآخر لعدم بره بقسم صديقه؟ وهل شراء الشخص المقسِم هدية لصديقه بنفس القيمة يخرجه من الحنث بقسمه أم لا؟ جزاكم الله خيرًا وزادكم علمًا ونفع بكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن إصرار باذل الخدمة على عدم تقاضي أجرتها نبل منه ومروءة وحسن خلق، وحرص الطرف الآخر على بذل مقابل لهذه الخدمة مروءة وحسن خلق كذلك؛ لأن من الناس من يبتز الإخوة ويستثمر حياء الآخرين في إعناتهم وتجاهل حقوقهم، ولكن كان ينبغي على من بُذِلت له هذه الخدمةُ أن يعتبر قسَم أخيه وأن يَسُره بإبراره لقسمه، وكان في وُسْعه أن يعوضه عن ذلك في صورة هدية تكافئ هذه الخدمة أو تزيد عنها من غير أن يعرِّض أخاه للحنث.
أما وقد جرت الأمور على هذا النحو فإن مردَّ الأمر إلى نية الحالف، فإن كان قد قصد بيمينه أن يبذل لأخيه ثمن هذه الخدمة على كل حال، وأن لا ينالها بلا مقابل بوجه من الوجوه فإن أمامه أن يرد الثمن مرة أخرى أو أن يستبقيه ويكفر عن يمينه، وكفارة اليمين هي كما ذكرها الله في كتابه ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [المائدة: 89]
أما إذا تمحَّض قصده في أن يشعر أخاه أنه لا يبتزه ولا يسيء استثمار ما بينهما من صداقة في إعانته وتجاهل حقوقه، فإن هذا المعنى قد تحقق بإصراره على دفع المبلغ، وتأكيد ذلك بالقسم، فلا يضره والله أعلم أن يرجع إليه مرة أخرى بإصرار مقابل من الطرف الآخر، ويحسُن خروجًا من الخلاف إن استبقى المبلغ أن يخرج كفارة يمين احتياطًا للدين وإبراءً للذمة. والله تعالى أعلى وأعلم.