أنا كنت قاعدًا ألعب مع بنت أختي وعمرها سنتان، وطلبت منها بأن تقبل رأسي، فرفضت، وحلفت بيني وبين نفسي دون تلفظ، وحاولت مرارًا وتكرارًا فرفضت، وكانت أمها بجوارها فقلت لأمها: لن تذهب بنتك حتى تقبل رأسي؛ لأني حلفت. فقط قلت: لأني حلفت، ولم أتلفظ بهذا الحلف بالطلاق، بيني وبين نفسي دون تلفظ. وبعد ذلك قلت لأمها: والله لن تذهب حتى تقبل رأسي، ولم تبوس رأسي، عاندتُ البنت الصغيرة. فهل أكفر عن يميني بكلمة والله؟ علمًا بأن الحلف بالطلاق بيني وبين نفسي، أما الحلف بالله تلفظًا. فما الحكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما كان ينبغي لك أن تُدخل نفسك في هذه المضايق، وتعرض نفسك لكفارة يمين، ولشكوك حول وقوع الطلاق بسبب لعب مع طفلة صغيرة عمرها سنتان، أليس هذا من الظلم للنفس والظلم للأهل؟! والتصرف الذي يحتاج منك إلى وقفة جادة تراجع فيها نفسك، وتعتصم فيها برشدك وعقلك؟! متى كانت الأيمان أمرًا مستباحًا على هذا النحو نقحمه في صغائر الأمور وتوافهها؟!
اللهم اغفر لأخي هذا وألهمه رشده، وخذ بناصيته لما تحب ربي، وترضى اللهم آمين.
هذا، ومن رحمة الله أنه تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1)، فيمين الطلاق الذي لم تتلفظ به لغو، ولا تحاسب عليه، أما قسمك بالله الذي تلفظت به فإنك تؤاخذ عليه إن كنت قد عقدت القسم، أي نويته، ولم يجر على لسانك بغير قصد، كقول الشخص في غير ما قصدٍ لا والله بلى والله؛ فإن هذا اليمين اللغو لا مؤاخذة عليه، أما إن كنت عقدت اليمين ونويت القَسَم فتلزمك كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة: 89]. والله تعالى
أعلى وأعلم.
_____________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة ، بلفظ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَـمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ».