مشكلتي في لحية زوجي، أحبه ولكن لا أطيق النظر إلى لحيته، لقد حاولت عبر سنين طويلة أن أتقبل ذلك ولكنني عجزت، إي وربي لقد عجزت وأخاف الفتنة، هل من سبيل؟ هل من مخرج؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن هناك بعض المقدمات التي أرجو أن نؤكد عليها بين يدي تعليقنا على هذه النازلة:
لقد خلق اللهُ الإنسانَ في أحسن تقويم، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، خلقه فسوَّاه فعدله، في أيِّ صورة ما شاء ركَّبه، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: 6 – 8].
ولا شك أن الله أحسن كل شيء خلقًا، وأتقن كل شيء صنعًا، كما قال تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88]، وكما قال تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ [البقرة: 138].
ومما خلق الله تعالى عليه الرجال وزيَّنهم به وجودُ اللحى في وجوههم، وقد روي وإن كان هذا الأثر ضعيفًا أن أُمَّنا عائشة كانت تقسم بذلك فتقول: والذي زين الرجال باللحى(1).
فالفطرة السوية ترى في اللحية رجولة وفحولة ومظهرًا من مظاهر الجمال الذكوري، وهذا السمت ليس خاصًّا بهذه الأمة، بل نقرؤه في سير الأنبياء السابقين، قال: ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: 94]، وأي خروج عن هذا المعنى في المشاعر فهو خلل طارئ، تلتمس الوسائل لتقويمه وإصلاحه، باعتباره خللًا وشذوذًا عن مقتضى الفطرة.
لا أحسبني في حاجة إلى سوق الأدلة الشرعية الآمرة بإعفاء اللحى، فنحن في هذه النازلة أمام مشكلة نفسية وليست مشكلة شرعية، إنك لا تجادلين في شرعيتها، ولكن تشتكين من حرج نفسي بشري في تقبُّلها، وقد يوجد لمثل هذا الحرج نظير في فرائض أخرى؛ فقد قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216].
وقد حَدَّثنا اللهُ جل وعلا عن فريق من الصفوة، من أهل بدر، فقال تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: 5، 6].
وما دام العبد مُقرًّا بأصل التكليف وحاملًا نفسه على الطاعة له، فلا يضره مثل هذا الحرج النفسي، ولكن الحرج يبدأ عندما يحمله هذا الشعور على التماس الحيل للتفلُّت من قيد التكليف وخلع ربقته.
إنني متفهم لجوانب الضعف البشري، لاسيما إذا كان أصحابها ممن عُرفوا بالصلاح والاستقامة، وشهد لهم من خالطهم أنهم أصحاب دين وخلق، ولكن قد يعتري بعضهم من العوارض النفسية ما يُدخله في مثل هذه المضايق، وسبيله إلى الخروج منها أن يعتصم بالله عز وجل ، وأن يُدمن قرع أبوابه، وأن يُعيد ترتيب الأوراق في ذهنه على النحو الذي رتَّبتها به الشريعة، وأن يوقن أنه لا أحد أحسن حكمًا من الله، ولا أحد أتقن صنعًا من الله، ولا أحد أحسن صبغةً من الله، وأن يُلِحَّ على ربه في الدعاء ملتمسًا موطن الإجابة في أن يشرح صدره لحكمه، وألا يجعل في صدره حرجًا مما قضى به، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
إنه وإن وُجد من أهل العلم من أفتى بكراهية حلق اللحية فقط، ولم يبلغ بذلك مبلغ التحريم، فإن مثل هذه الرخصة لا يتسنى لزوجك الأخذ بها في مثل هذه البيئة التي عرفه الناس فيها معلمًا وواعظًا ومبلغًا عن الله عز وجل ، وإذا حدَّثهم بمثل هذا الحديث أو تصرَّف مثل هذا التصرف قد لا تبلغه عقولهم ويكون لبعضهم فتنة، اللهم إلا إذا انتقل إلى بيئة جديدة، لا يعرفه فيها أحد، ولا يُفتن بمثل هذا التصرف عندما يصدر عنه أحد، وهذا غيب من الغيوب يعلمه الله عز وجل ، ولكل حادث في المستقبل حديث.
فاصبري على أمر الله عز وجل ، واشغلي نفسك بالنافع من القول والعمل، ولا تستسلمي لهواجس السوء، وأسأل الله أن يشرح صدرك لأحكامه، وأن يملأه رضًا بقضائه، وأن يُفرغ على قلبك طمأنينة، وفي نفسك سكينة. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) أخرجه الديلمي في «مسند الفردوس» (4/157) حديث (6488).