بالنسبة لكون أبي نطق كلمات كفرية خطأً حين الغضب وليس بقصد الاستهزاء بالدين، بل لأنه للأسف اتخذ هذا عادةً، وأنا نبهته إلى هذه الأمور فأصلح حاله في هذه الأيام، وأصبح يلعَنُ الشيطانَ حين غضبه والحمد لله، اليوم سألت أمي إذا كان أبي يخرج للعمل كالعادة يوم الجمعة، فأخبرتني أنه يخرج لعمله كالعادة يوم الجمعة، وإذن هذا يدل أن أبي على الأغلب صلى قبل أن يعقد لي؛ لأنه يصلي الفجر حين خروجه للعمل دومًا، وإن كان لا يلتزم بباقي الصلوات دائمًا، فهل صلاته تُعيده مسلمًا إن كان قد كفر خطأ حين غضبه؟ وهل التلفظ بالكفر خطأ أثناء الغضب دون أن يطمئن الإنسان للكلمات الكفرية – كفر؟
أعلم أن من يقصد المزاح في الكفر بالدين خلال المزاح غير مغفور له، فهل من غضب وقال كلمات كفرية أثناء الغضب سهوًا أو خطأ دون أن يقصد إيقاع تلك الكلمات- يكون كافرًا وتسقط ولايته؟ وماذا إن كان أبي فاسقًا بترك قسم من الصلوات والكثير من الناس اليوم فساق فهل تسقط ولايتهم على بناتهم لفسقهم أيضًا؟
أرجو أن تكون هذه آخر مداخلة لي وآخر سؤال، فهل يلزمني أن أسأل أبي لأتيقن إن كان صلى حينها أم لا؟ وإن كان استغفر حينها أم لا؟ مع أنه من الممكن أن يكون استغفر حينها بعد أن تيقن أنه كفر أو أنه يكره أن يذكر ذلك بأنه قال كلمات كفر ويعلم أنه قالها حين غضبه ولم يقصد، فما الحل؟ هل لي أن أنهي هذا الموضوع؟ وأشكرك جزيلًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلقد تعبت من كثرة المراجعة، ولو كان كل سؤال أراجَعُ فيه هذه المراجعة لما استوعَبَتِ الأعمارُ هذه المراجعات.
سقوط الولاية بالفسق مختَلَف فيه، والراجح عدم سقوطها، ومثل أبيك لا ينفعه ادعاء عدم نية الكفر؛ لأنه لا ينوي الكفر أحدٌ إلا ما شاء الله، ولكن قد تكون شدة الغضب له عذرًا، إن بلغت به مبلغ الإغلاق، وينفعه الألم والندم الذي شعر به بعد ذلك فإن «النَّدم تَوْبَةٌ»(1).
وترك الصلاة في بعض الأحيان على بشاعته لا يُخرج من الملة ولا يسقط الولاية في الصحيح.
والذي يظهر لي أن عقدك صحيح، ولكن إن اشتدت بك الشكوك، حول صحة العقد، وعجزت عن تجديده من خلال الوالد، فيمكنك تجديده بالاتفاق مع عمِّك، فإن عجزت فيمكنك تقليد أبي حنيفة في جواز أن تزوج المرأة نفسها من الكفء بمهر المثل(2)، ويكون هذا بالاتفاق بينك وبين زوجك وبحضور شاهدين، بعيدًا عن الوالد العاضل، أو الذي تشكين في ولايته. والله تعالى أعلى وأعلم.
———————————-
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 422) حديث (4012)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».
(2) جاء في «الاختيار لتعليل المختار» (3/ 90) من كتب الحنفية «إذا زوجت نفسها من كفء بمهر المثل فقد فعلت في نفسها»
وجاء في«بدائع الصنائع» (2/ 322) من كتب الحنفية أيضا «لو زوجت نفسها من كفء بأقل من مهر مثلها مقدار ما لا يتغابن فيه الناس بغير رضا الأولياء، فللأولياء حق الاعتراض عنده، فإما أن يبلغ الزوج إلى مهر مثلها أو يفرق بينهمالمعروف، فلا جناح على الأولياء في ذلك».