يا دكتور صلاح، والله نحن تعبنا وأُهِنَّا واختلطت لدينا الأمور، فأرجو من فضيلتكم أن توضح لنا موضوع زوجة المتعة، وأنا أخاف الفتنة على نفسي في ديني ووصولي إلى أهل بيتي فيه كثير من الصعوبة، فهل هناك ما نقي به أنفسنا من الحرام؟ فعلى حسب علمي فإن جميع الأبواب مغلقة، فهل من سبيل إلى أن أحمي نفسي من الحرام؟ وشكرًا جزيلًا وجزاك الله عني خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فتحريم زواج المتعة يا بنيَّ مما عرف من مذهب أهل السنة بالضرورة، فجميع المذاهب الفقهية المتبعة عند أهل السنة على تحريمه، وقد انعقد على هذا إجماع السابقين واللاحقين، فليس ثمَّة من سبيل إلى فتح هذا الباب وقد أغلقه الله عز وجل، ونبه عليه نبينا صلى الله عليه وسلم مرتين:
مرة يوم خيبر، وذلك في حديث علي رضي الله عنه المتفق عليه وهو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر(1).
والأخرى التي تأبَّدَ بها التحريم يوم فتح مكة، في قوله صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخْلِ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا»(2).
أما المخرج فقد بينه سيدي وسيدك صلى الله عليه وسلم فيما جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(3).
فبدلًا من زواج المتعة تزوَّجْ زواجًا مستدامًا، ثم إن بدا لك عدم مناسبته في المستقبل طلَّقْتَ، فإن الذي شرع الزواج شرع الطلاق، فإن عجزت عن الزواج، فقد قال ربك جل وعلا: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 33]. وقال نبيك صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
فاصبر يا بني على أمر الله، واتخذ لك رفقة صالحة تدلُّك على الله، وتعينك على طاعته، وتدبر دائمًا قول الله تعالى: [المعارج: 29 -31]. والله تعالى أعلى وأعلم.
———————————-
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المغازي» باب «غزوة خيبر» حديث (4216)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ واستقرَّ تحريمه إلى يوم القيامة» حديث (1407).
(2) أخرجه مسلم في كتاب «النكاح» باب «نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة» حديث (1406) من حديث سبرة بن معبد بن عوسجة رضي الله عنه.
(3) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «من لم يستطع الباءة فليصم» حديث (5066)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه» حديث (1400)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.