أنا شاب في عمر الـ30، خطبت فتاة وعمرها 22 في سنة 2012، ثم مررت بظروف قاسية وصعبة جدًّا لم أستطع خلالها أن أتواصل مع وليِّ أمرها، وكنت أرسل رسالة إلى خطيبتي لأذكرها بظروفي الصعبة، ثم في عام 2013 أردت الزواج منها، إلا أنني فوجئت بأنها خُطبت وستتزوج بعد رمضان مباشرة، وكنا على تواصل دائم وهي موافقة على الزواج مني، وأكِنُّ لها كلَّ الحب والاحترام وهي كذلك.
والآن لا أستطيع أن أتخيلها مع رجل غيري، ثم إنه ليس لدي وقت للبحث عن فتاة أخرى للزواج بسبب ارتباطي بالدكتوراه، وعندئذ سيكون عمري 35 سنة، ولا أرغب في تكرار تجربة البحث الكثير في ذلك العمر. فهل ما قامت به عائلتها صحيح؟ أحس أنني ظُلمت كثيرًا وأنا لا رغبة لي في الزواج بعد هذا.
وشيء آخر: لماذا تمتنع الأسرة عن قضية الزواج إذا وجد التطابق، مع أنني شاب ملتزم، ولدي هفوات لكن نفسي تلومني على تلك الهفوات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإذا كان الأمر قد قضي يا بني ولم تستطع الفتاة أن تُقاوم رغبةَ أهلها في تزويجها بغيرك، فاصبر واحتسب، ولعل الله أن يُبدلك خيرًا منها.
واعلم أن كل شيء خلقه الله بقدَرٍ، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك(1).
ولعل من الخطأ الذي أرجو ألا تقع في مثله في المستقبل هو التواصل مع الفتاة والترتيب معها بعيدًا عن أهلها، وقد علمت أن للأهل في مجتمعاتنا مشاركةً أساسية في قرار الزواج، وفي الحديث الشريف: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»(2).
فكان ينبغي أن تكون البداءة بأهلها، وأن تعلمهم برغبتك في الارتباط ببنتهم من البداية، فإن رأيت منهم قبولًا فالحمد لله، وإن كانت الأخرى يممت وَجْهَك شطر ناحية أخرى، ولكن قدر الله وما شاء فعل، ولكن لابد أن نتعلم من أخطائنا. وأسأل الله لي ولك العافية.
فضلًا عن كوني ألتمس شيئًا من العُذر لأولياء الفتاة؛ إذ كيف يزوجون رجلًا بالغيب لا يستطيع أن يصِلَ إليهم، فلم تجرِ عادةُ الناس بذلك.
على كل حال لقد جرى القلمُ بما هو كائن، فاصبر واحتسب. وأسأل الله أن يبدلك خيرًا منها، وأن يطيِّب خاطرك، وأن يجزل لك المثوبة، وأن يردك إليه ردًّا جميلًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (5/ 189) حديث (21696)، وأبو داود في كتاب «السنة» باب «في القدر» حديث (4699)، وابن ماجه في «المقدمة» باب «في القدر» حديث (77)، وابن حبان في «صحيحه» (2/505- 506) حديث (727)، عن ابن الديلمي قال: أتيت أبيَّ بن كعب فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر فحدِّثني بشيء لعله أن يذهب من قلبي فقال: «إِنَّ اللهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِـمٍ لَـهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَـهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ فِي سَبِيلِ الله مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ».
(2) فقد أخرج ابنُ حبان في «صحيحه» (9/ 386) حديث (4075) من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»، وقال: «لا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/ 176) وقال: «هو كما قال ابن حبان، وله طرق أخرى فيها ضعف لا حاجة إليها معه».
وأخرج أحمد في «مسنده» (6/ 66) حديث (24417)، وأبو داود في كتاب «النكاح» باب «في الولي» حديث (2083)، والترمذي في كتاب «النكاح» باب «ما جاء لا نكاح إلا بولي» حديث (1102)، وابن ماجه في كتاب «النكاح» باب «لا نكاح إلا بولي» حديث (1879) من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/ 187) وقال: «رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال الترمذي: حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن الجوزي: رجاله رجال الصحيح. وقال ابن معين: إنه أصح حديث في الباب»، وكذا صححه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (1840).