أصحاب الفضيلة أفتونا مأجورين. رجل وامرأته رُزِقا بأطفال ذكور ورغِبَا في أن يُرزَقا ببنت، والله تعالى يهب لمن يشاء ما يشاء. فهل لهما أن يأخذا بالأسباب فيستعينا بالطب الحديث لتحديد جنس المولود؟
والعملية تكون كالتالي: يؤخذ من ماء الرجل جين معين ويلقح به بويضة المرأة، فيكون الحمل أنثى بإذن الله. فهل هذا العمل مشروع أم فيه تعد على الخالق؟ والله غالب على أمره.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإننا نؤكد في البداية على ضرورة الرضا بقضاء الله عز وجل والتسليم لإرادته، وأن تدرك أن اختيار الله للعبد أولى من اختيار العبد لنفسه، ولقد ذم القرآن الكريم أهل الجاهلية الذين كانوا يكرهون الإناث، وتَسْوَدُّ وجوهُهم إذا بُشِّروا بذلك، كما قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿58﴾ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58- 59].
ومع هذا فإن التشوُّفَ إلى الذكور والرغبة في إنجابهم لا حرج فيه، فقد ذكر القرآن الكريم دُعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذَّكَر، مثل ما جاء في دعاء نبي الله زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم: 5- 6].
ولا حرج في التماس ذلك بالطرق الطبيعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي؛ لكونها أسبابًا مباحة لا محذور فيها، أما التدخلات الجراحية فلا تجوز إلا عند الضرورة الطبية الـمُلجئة، كتوقي بعض الأمراض الوراثية التي تصيب أحد الجنسين دون الآخر، فضلًا عما تؤدي إليه هذه التدخلات من الإخلال بالتوازن الذي أقام الله عز وجل على أساسه هذا الوجود.
وقد عرض هذا الموضوع على المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي فأفتى فيه بقريب مما ذكرناه لك، وهذه هو نصُّ قراره في هذا الصدد:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي قد نظر في موضوع: (اختيار جنس الجنين)، وبعد الاستماع للبحوث المقدمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة فإن المجمع يؤكد على أن الأصل في المسلم التسليم بقضاء الله وقدره، والرضا بما يرزقه الله من ولد ذكرًا كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذم فعل أهل الجاهلية لعدم التسليم والرضا بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿58﴾ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58- 59]، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكرًا كان أو أنثى، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولًا: يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسبابًا مباحة لا محذور فيها.
ثانيًا: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريرًا طبيًّا بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب بالمرض الوراثي، ومن ثَمَّ يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك. والله تعالى أعلى وأعلم.
تحديد جنس المولود
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 05 النكاح