أسئلة:
1- جرت العادة عندنا أن تضم المرأة ممتلكاتها إلى ممتلكات الزوج فيكون الملك بينهما مشتركًا، يتصرف فيه الزوج بالتجارة أو غيرها، وربما تساهم الزوجة بجزء من دخلها أو تعمل مع الزوج لتكوين اقتصاد زوجها، سواء كان في التجارة أو في الفلاحة، وفي حالة وفاة الزوج لا تأخذ من تركة زوجها إلا نصيبها المفروض، الربع أو الثمن كما هو مقرر في أحكام الميراث، ولا تستطيع أن تميز ما ساهمت به في سبيل تكوين أموال الزوج.
والسؤال: أليس لها حق في مال الزوج في الشريعة الإسلامية زيادة على التركة؟ وكيف تصل إلى حقها كشريك للزوج؟
2- وجرت العادة كذلك أن الرجل إذا كان له أولاد فكلما يزوج واحدًا منهم يجعل له منزلًا خاصًّا، وربما يُعطيه بعض المال ليكوِّن به نفسه ويكون الابن الصغير في بيت الأسرة، وفي حالة وفاة الأبوين يمتلك هذا الابن الصغير بيت أبويه وذلك بالعرف لا بوصية من الأب في الغالب، فما حكم الشرع في ذلك؟
3- وإن أحد الأبناء ربما يعمل في التجارة ويأتي بأموال كثيرة للأسرة، وتعتبر هذه الأموال أموال الأسرة، وفي حالة وفاة الأب يتقاسمون التركة فيما بينهم دون أن يكون أي اعتبار للذي كان سببًا في جلب هذه الأموال. وكيف يكون حكم الشرع في مثل هذه الحالات؟ وهل للأخ هذا حق في هذه الأموال غير ما ذكر في الميراث؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن للمرأة ذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها، ولها أهلية وجوب وأهلية أداء كاملتين، وليس لأحد من زوج أو غيره أن ينال شيئًا من مالها إلا بطيب نفس منها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»، فما أضافته من ممتلكاتها إلى أموال زوجها ما لم يكن ذلك عن تبرع محض وبطيب نفس وليس بسيف الحياء ولا بسلطان القوامة يظل حقًّا لها لا تبرأ ذمة الزوج إلا بوفائه لها.
وقل مثل ذلك فيما أسهمت فيه مع زوجها من دخلِها أو من مساعدة له في عمله خارج إطار الخدمة العائلية التي تُنشئها الرابطة الزوجية.
وبالمناسبة فإن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا كان قد عقد دورة تدريبية في «سكرمنتو» حول نوازل الأسرة المسلمة خارج ديار الإسلام، وناقش فيه هذه القضية، وانتهى إلى القرار التالي الذي نورده لك بنصه:
حادي عشر: حول مشاركة المرأة زوجها بخبرتها وعملها في أعماله وحقها في ثروته بناء على ذلك:
– الأصل هو قيام الحياة الزوجية على التكافل والمشاركة والمعاشرة بالمعروف، فعلى الزوج القيام بالأعمال التي تكون خارج المنزل، وعلى الزوجة القيام بما يكون من العمل داخله.
– وللمرأة في الإسلام مسلمة كانت أو غير مسلمة ذمتها المالية المستقلة، فتستقل بالتصرف فيما تملكه من مال وما تكسبه من ثروة، ولا يحجر عليها إلا بالأسباب الشرعية العامة للحجر، والتي يستوي فيها الرجال والنساء.
– الأصل هو قرار المرأة في بيتها لرعاية زوجها وولده، وعلى زوجها واجب إعاشتها بالمعروف، ولا تلزم بالمشاركة في الإنفاق على البيت ولو كانت غنية.
– وإذا أذن الزوج لزوجته في العمل فإنها تستقل بما تكسبه من هذا العمل، ولا حق له فيما تكسبه إلا بطيب نفس منها، لأنه قد أسقط حقه في احتباسها من أجله بإذنه لها في العمل.
– ولا حرج في أن يتفق الزوجان على مشاركة المرأة العاملة في الإنفاق على البيت لقاء ما فوتت عليه من الاحتباس في البيت رعاية لبيته وولده، ويأتمران في ذلك بالمعروف.
– إذا شاركت الزوجة زوجها في استثماراته التجارية بخبرتها وعملها مشاركة تتجاوز حدود الخدمة المنزلية التي تكون بين الزوجين في العادة، كان لها في ثروته نصيب يرجع في تقديره إلى أهل الخبرة حسبما بذلت من جهد وما تحصل من ثروة.
الأصل أن تُقسَّم أموال التركة بعد الوفاة على وفاق الشريعة، وأن ما بذله الرجل في حياته لأولاده يعد عطية منه لهم ويجب عليه مراعاة العدل في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ».
فهذا البيت الذي كانت تعيش فيه الأسرة قبل وفاة الوالد إذا طيَّبه الورثة للابن الصغير طاب له، وإلا دخل في عموم التركة ويجري عليه ما يجري عليها.
وما بذله الابن للأسرة في حياة والده إذا كان على سبيل التبرع فليحتسب أجره على الله عز وجل، ولا علاقة لذلك بتمييزه على بقية إخوانه في الميراث، وإن لم يكن كذلك اجتهد الحاسبون في تقديره ليكون حقًّا له لا علاقة له بالتركة، وإن كنا نوصي الجميع بالتغافر وسماحة النفس، وأن يتذكروا دائمًا أن كسب القلوب أولى من كسب الأموال! ونسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد، والله تعالى أعلى وأعلم.
التصرف الشرعي في ممتلكات الأسرة
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012