أشكركم شيخنا الجليل، على إجابتكم على أسئلتي. وأريد أن أستغل رحابة صدركم، للمزيد من التوضيح والاطمئنان، فلا يخفى عليكم صعوبة الوساوس وآثارها، أضف إلى ذلك خوفي الشديد من الله عز وجل.
هل إقبال زوجتي على الزواج وعدم تحدثها عن الندم لا يضران بالعقد أو بتجديده؟ وقد علمتم منها ما ذكرته لكم عن حالها.
هل بوضعنا الحالي، زواجنا وعلاقتنا هما بما يرضي الله؟ هل خرجنا من خانة الزناة؟ أم أن نكاحنا صحيح باعتباره نكاح زناة، ومرده إلى الله؟
و أخيرًا أدعو الله أن يجعل ما تقومون به وصبركم وسعة صدركم، حسنات لا تعد ولا تحصى إلا من رب كريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فرغم وضوح الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال الفتوى السابقة، ولكن لا بأس بالإعادة تأكيدًا على ما سبق عرضه، وطردًا للوساوس عنك ما أمكن بإذن الله.
لقد ذكرت لك أن جمهور أهل العلم(1) لم يشترط التوبة لصحة العقد، وإنما هو اختيار الحنابلة(2)، وبناء على ذلك فما كان يلزمك إعادة العقد على قول الجمهور، أما وقد أعدته فلا وجه للتردد في شرعية هذا العقد! وها أنذا أجيبك عن أسئلتك واحدًا تلو الآخر.
تقول: هل إقبال زوجتي على الزواج وعدم تحدثها عن الندم، لا يضران بالعقد أو بتجديده؟ وقد علمتم منها ما ذكرته لكم عن حالها.
والجواب: لا يضر ذلك بالعقد عند جمهور أهل العلم على افتراض غياب التوبة، فكيف والتوبة موجودة، وأنت القائل: «وزوجتي تفعل ما في وسعها؛ فقد تحجبت منذ سنوات وهي تحافظ على صلاتها مع تقصيرها في بعض الأمور».
إن المقصود بالتوبة هنا هو التوبة من الزنى، فهل تظن أن زوجتك لم تتب من الزنى، وأنها لا تزال مصرة على هذه الفاحشة حتى ترادوك هذه الوساوس؟! اتق الله في نفسك وفي أهلك.
تقول: هل بوضعنا الحالي، زواجنا وعلاقتنا هما بما يرضي الله؟ هل خرجنا من خانة الزناة؟ أم أن نكاحنا صحيح باعتباره نكاح زناة، ومرده إلى الله؟
والجواب قد علم مما سبق! وأعيده بلسان عربي مبين: نعم، زواجكما صحيح في ضوء ما قدمت من معلومات، وقد خرجتم من الحالة السابقة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وأخير دعوتي لك أن تغلق هذا الملف، فلا تفتحه مرة أخرى، ودعائي لك بصلاح البال، وأن يصرف عنك كيد الشيطان الذي يبدو أنه قد يئس من أن يفسد عليك دينك من باب الشهوات، فطمع في أن يفسده عليك من باب الشبهات. فلا تثق بوسوسته بل اتخذه عدوًا، قال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6]. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) جاء في «تبيين الحقائق» (2/114) من كتب الحنفية، و «البحر الرائق» (3/114) من كتب الحنفية أيضا، قوله: ((أو زنا) أي حل نكاح الموطوءة بزنا حتى لو رأى امرأة تزني فتزوجها جاز وله أن يطأها خلافا لمحمد والوجه من الجانبين ما بيناه في الأمة الموطوءة وهذا صريح بأن نكاح الزانية).
وجاء في «التاج والإكليل» (3/418) من كتب المالكية (قال مالك لا أحب للرجل أن يتزوج المرأة المعلنة بالسوء ولا أراه حراما).
وجاء في «المجموع» (16/219) من كتب الشافعية (وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم).
(2) جاء في «المغني» (7/155) من كتب الحنابلة (والشرط الثاني : أن تتوب من الزنا قاله قتادة و إسحاق و أبو عبيد).