أصحاب الفضيلة العلماء الكرام، أنا شاب مسلم مقيم بكندا، وقبل المجيء إليها تزوجت بامرأة مسلمة ملتزمة ودخلت بها بالعقد الشرعي- مع العلم أنها ثيب- على أن أعود في السنة القادمة لترسيم الزواج بالعقد المدني.
وهذا ما حصل بالفعل، فبعد عام كامل من الانتظار رجعت إلى بلدي في عطلة، ولكنني لما أردت إتمام العقد المدني فوجئت برفض أهلي لهذه المرأة رفضًا مطلقًا بحجة أنها مطلقة وبحجج أخرى واهية، وألحوا عليَّ لأرجع عن الزواج منها رغم رفضي لهذا وتعلقي الشديد بها وتعلقها بي، وفي مقابل ذلك عرضوا علي فتاة أخرى قالوا بأنها الأنسب والأصلح لي.
وأمام تعنتهم ورفضهم لزواجي بالمرأة التي اخترتها وأحببتها، وحرصًا مني على طاعة والديَّ والبر بهما رضخت للأمر وعقدت على المرأة الثانية عقدًا شرعيًّا ومدنيًّا من غير الدخول بها أو إقامة وليمة الزواج، مع إبقائي على زوجتي الأولى تحت عصمتي من غير علم والديَّ اللذين حسبا أنني قد طلقتها، وأيضًا من غير علمها هي بأمر زواجي الثاني.
ورجعت بعدها إلى كندا، ولكنني بعد عودتي إلى كندا لم أستطع التوفيق بين الأمرين كما كنت أتخيل؛ فزوجتي الأولى التي أحبها ومتعلق جدًّا بها لا أستطيع إحضارها إلى كندا لعدم وجود العقد المدني كما ذكرت سالفًا، وعندما علمت بأمر زواجي الثاني أصيبت بانهيار عصبي وتركت وظيفتها وهي ماكثة في البيت وليس لها من يعولها غيري، والزوجة الثانية التي لم أدخل بها بعد والتي هي على وشك المجيء إلى كندا بعد استكمال إجراءات الهجرة لا أجد في قلبي نحوها أية مشاعر للود والمحبة التي ينبغي أن تكون بين الزوجين، وأخاف إن هي قدمت إلى بلاد الغربة أن أظلمها ولا أعطيها ما هو واجب علي تجاهها من الحب والمودة والاحترام.
ولكوني مقيم بكندا ولي فيها شغل ودراسة، أصبح لزامًا عليَّ التخلي عن إحداهما وتحمل عواقب ذلك؛ لذلك أرجو من حضراتكم النصح والمشورة وأن توجهوني إلى الرأي السديد الذي يضمن لي الاستقرار في حياتي الزوجية ويرزقني رضا ربي ويجنبني الظلم، وبارك الله فيكم وشكر لكم وكثر من أمثالكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فليس من البر بالوالدين طلاق الزوجة التي لم تقترف ما يبرر طلاقها شرعًا، بل إن إصرار الوالدين على ذلك معصية لله عز و جل ، ويكون عملهم هذا من جنس عمل السحرة الذين يفرقون بين المرء وزوجه، فإن كانت زوجتك الأولى من الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، وممن يُحسن التبعل لأزواجهن، وقد رزقك الله حبها، فلا ننصحك بطلاقها، لقول الله عز وجل ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34].
أما زوجتك الثانية التي لم تدخل بها ولا تحمل لها ودًّا وتخاف أن تظلمها إن بقيت معها، فلا ننصحك بالاستمرار في هذه العلاقة ما دمت قد تأكدت أو غلب على ظنك أن استمرارك في الزواج بها ظلم لها، لأن فرصة المطلقة قبل الدخول في الزواج ثانيةً أكبر وأيسر من المطلقة بعد الدخول، فاستخر الله عز وجل في فراقها ثم كرر الاستخارة، فإن شرح الله صدرك لذلك فابق على زواجك الأول، واجتهد في مرضاة أهلك وصلتهم بما لا يمثل معصية لله عز و جل ، والله تعالى أعلى وأعلم.