شيخنا الفاضل. أرجو من فضيلتكم قراءة رسالتي بتمعن، فكل حرف منها مهم، وأرجو منك أن يتسع صدرك لي، وجزاك الله خيرًا.
لا أعرف من أين أبدأ، لكن أرجو من الله العلي القدير أن يُعينني أن أوصل لحضرتك سؤالي.
الموضوع أني مُصاب بوسواس غريب يأتيني بشكل متلاحق، وبالبحث عن طريق الإنترنت عرفت أن هذا يسمى بالوسواس القهري.
بدأ الموضوع عندما قرأت عن كنايات الطَّلاق، وبدأت أتذكر مواقف وكلمات قلتها لزوجتي وأكتب المواقف التي قلت فيها هذه الكلمات، وبدأت أسأل العلماء الأفاضل أمثال حضرتك وبدأت الإجابات تفيدني بأن ما قلته لا يقع به الطَّلاق لأن الكنايات تحتاج إلى نية قصد الطَّلاق.
والحمد لله بدأت شبهات الشَّيطان تزول والحمد لله، لكن بدأ الموضوع باتجاه آخر، فبعد أن كنت خائفًا من المواقف التي ذكرتها للعلماء وتبين لي والحمد لله أنها مجرد وساوس كان سببها قلة علم، الآن بدأ الموضوع يتحول معي لدرجة أني عندما أتكلم مع أي شخص عن أي شيء يخص زوجتي. فأنا مسافر، وأحيانًا يسألني بعض الأصدقاء: لم لا تحضر زوجتك معك؟ فأقول لهم: إن الحالة المادية لا تسمح. فيأتيني الوسواس.
وأحيانًا أكون أشرح للطلاب- فأنا معلم لغة إنكليزية- وكنت أعلمهم بعض الكلمات، تخيل يا شيخنا أن جاءني الوسواس لأنني قلت كلمة her book وترجمتها لهم كتابها.
المشكلة أن الموضوع بدأ يأخذ صورة وشكلًا غريبًا، وهو الدُّعاء، فقد بدأت أستخدم الأذكار والدُّعاء لدفع الوسواس، وتخيل يا شيخنا الكريم أني كنت أردد هذا الدُّعاء: اللَّهُمَّ إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك عدل في قضاؤك. وعندما قلت كلمة «ماضٍ في حكمك» تأتيني أفكار بأني قصدت الطَّلاق.
وأنا والحمد لله علاقتي بزوجتي جيدة، لكن تبدأ الأفكار تطاردني لدرجة أني عند كتابة فتوى أو سؤال لعالم من العلماء كي أعرف إجابة يأتيني الوسواس لكن أقول لنفسي أنا لم أقصد بكتابة السُّؤال إلا السُّؤال، وبالتالي فلا يقع الطَّلاق بذلك، وأذكر نفسي بقول الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]. وعند دعائي في صلاتي: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين. تطاردني الأفكار بأني كنت من الظالمين، أقصد بها أن علاقتي بزوجتي بها شيء، وبالتالي أنا من الظالمين.
وبدأت أقاوم تلك الفكرة، وبدأت أردد هذا الدُّعاء مرات كثيرة بنية تفريج الكرب والهم، وكنت أقرأ القرآن في سورة «الرعد» قوله تعالى : ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ [الرعد: 17] فبدأت الأفكار وبدأ الوسواس.
وكنت أستمع لأحد الأناشيد التي تمدح النبي ﷺ، وفيها مقطع يقول: حقق الله مرادي، زرت خير الشَّافعين. وعندما قلت المقطع الأوَّل جاءتني الأفكار والوسواس بأني قصدت الدُّعاء أن اللهَ يحقق مرادي في الطَّلاق، وهذا لا أريده أبدًا، فزوجتي هي أحب النَّاس إلي، وأنا أحبها وأحترمها. وأيضًا أنا كنت أردد نشيدًا.
قد يبدو لحضرتك ولي أيضًا أن هذا من غير المعقول وأن هذه الأفكار هي وسواس فقط لكني أعاني من مطاردة تلك الأفكار لي ولا أريد أن أفتي نفسي، فللفتوى علماء ولها أهلها، وأريد رأيك حتى إنه حين يأتيني الوسواس أقول: لقد أفتاني الشيخ وأنا أثق به.
لا تتخيل حجم المعاناة التي أعانيها من الوسواس، فأنا في حيرة من أمري، حتى وأنا أكتب إليك الآن يطاردني الوسواس، لكني أعرف أنه يجب عليَّ استشارتكم حتى توجهوني للصحيح.
كذلك أيضًا لقد أرسلت لفضيلتكم عدة أسئلة، وقد أجبتموني، لكن المشكلة أني بدأت أشك في الألفاظ التي صدرت مني، ويأتيني الوسواس أن اللَّفْظ الذي ذكرته في أسئلتي غير صحيح، وأنه يجب تعديل السُّؤال، ويحدث شك في اللَّفْظ، وأحيانًا في النِّيَّة، وبمراجعة فتاوى في موقع الشبكة الإسلاميَّة وجدت آراء لهم بأن الشك لا يمكن الأخذ به.
هذه هي حالتي أكتبها إليك لتوضح لي الحقيقة، أعرف أنه ينبغي ألا ألتفت للوساوس، لكن أحيانًا أضعف أمامها وتتصارع الأفكار في رأسي وأحيانًا أحس أنها لا شيء، وبالتالي فإن أفضل شيء يعينني على مقاومة الوساوس هي التسلح بالعلم، وهذا قد أفادني كثيرًا في مواجهة الوسواس، فموضوع الوسواس جعلني أفتح كتب الفقه، وقرأت كثيرًا كي أقاوم هذا الوسواس، وعلمت أنه ليس كل كلمة يمكن أن نقول عنها إنها كناية الطَّلاق، لكن أريد أن أعرف من حضرتك هل الآيات والأدعية والأناشيد التي ذكرتها في سؤالي هل يمكن أن تندرج الألفاظ الموجودة فيها تحت باب كنايات الطلاق أم لا؟
ومراعاة لحالتي أرجو من حضرتك الاهتمام برسالتي والرد على سؤالي بخصوص تلك الألفاظ: هل هي في الأصل كنايات طلاق أم لا؟ بارك الله فيك وفي علمك، وجزاك الله خيرًا. جعلك الله عونًا لي على الشفاء من تلك الوساوس.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله يا بني أن يمسحَ عليك بيمينه الشَّافية، وأن يجمعَ لك بين الأجر والعافية، وقد أفتيت نفسك عندما قلت: أعرف أنه ينبغي ألا ألتفت للوساوس، وصدقت في تشخيص حالتك عندما قلت: لكن أحيانًا أضعف أمامها وتتصارع الأفكار في رأسي وأحيانًا أحس أنها لا شيء! كما كنت دقيقًا في وصف الدَّواء لذلك عندما قلت: وبالتالي فإن أفضل شيء يعينني على مقاومة الوساوس هي التسلح بالعلم، وأضيف إلى ذلك المداومة على الذِّكر وأن يزال لسانك رطبًا بذكر الله(1)!
اطرح يا بني الوساوس كما ذكرت ذلك بنفسك، واعلم أن كل ما ذكرته من الأدعية والأناشيد الدينية وغير الدينيَّة ليست من كنايات الطَّلاق في شيء، فلا تجعل الشَّيطان يتلاعب بك إلى هذا الحد ويبغض إليك الأدعية والأذكار ظنًّا منك أنها من كنايات الطَّلاق! وأسأل الله بأسمائه الحسنى أن يرزقك من ضيقك فرجًا، ومن عسرك يسرًا، ومن كربك نجاة ومخرجًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (4/188) حديث (17716)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما جاء في فضل الذكر» حديث (3375) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه : أن رجلًا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ الله». وقال الترمذي: «هذا حديث حسن».