لا حياء في الدين وأعتذر عن كلماتي القادمة، لكن يجب أن أشرح لك قصتي كي تُفتِيَني بالحق، بعد قصةِ حب طويلة لشاب لمدة ٧ سنين، أظهر لي صدقه ورجولته بأن تقدَّم لي وطلبني من ولي أمري، والآن نحن في نقاش مع العائلتين لعقد القران كي نمارس حياتنا الزوجية بشرعية. لكن خلال بداية سنوات الخطوبة وقعنا في الزنا، عندما ضمن كل منا الآخر وأن مسألة الزفاف مسألة زمن ووقت فقط، فوقعنا في الزنا معًا، خاصة أنني لم أكن بكرًا بسبب فقدي للغشاء إثر حادث خلال طفولتي، وتأكدي من الطبيبة بأن هناك احتمالًا ألا أنزف ليلة الدخلة، فاعترفت لخاطبي بأمري وتقبل الأمر لثقته ومحبته لي، ولم يتركني، وهذا جعلني أحبه وأتمناه لي أكثر، بعد أن زنينا كنت محبطة، وتشجعت لتلك الممارسة؛ لأتاكد إذا كنت سأنزف أم لا، وتيقنت بأنه لم ينزل مني دم ولم يهتم خاطبي لذلك، فأنا لم أمارس الفاحشة مع أحد قبله والعياذ بالله، وتبنا معًا وتوقفنا عن الفاحشة خوفًا من الله، لكن في الأمس زرته في بيته وكدنا أن نقع بالزنا، إلا أننا تداركنا الموقف، فلم يدخل عضوه بي، إلا أنه احتكَّ بالمنطقة هناك «البظر»، وأنا أخاف وأشك بأنه من الممكن أن يكون عضوه قد انزلق للمنطقة، لكننا شبه متأكدين بأنه لم يحصل دخول للمنطقة هناك، فما علينا الآن؟ وهل رجعنا للزنا وانتفت توبتنا؟ هل نجدد العهد على التوبة مرة أخرى رغم أننا متأكدين أنه لم يحصل دخول وإنما احتكاك للمنطقة داخل الشفرين؟ هل نتوب مرة أخرى عن الزنا مع أنه من الممكن ألا يكون قد حصل إيلاج خاصة وهو يؤكد أنه لم يحصل إيلاج للمنطقة تلك وإنما كان عضوه قريبًا منها؟ وهل زواجنا غير جائز مطلقًا الآن؟ مع العلم بأنه ٩٩% بأن الإيلاج لم يحصل، فقد انتبهنا لأنفسنا ولتوبتنا، لكن المشكلة أن العضو الذكري دخل إلى هناك ونخاف من أن يكون قد انزلق سهوًا ودخل قسم منه دون انتباه منا، فما نصيحتك لنا شيخنا الفاضل كي نحافظ على أنفسنا وكي نتزوج بالحلال؟ وهل هذا يعني عدم ثبوت توبتنا رغم أننا قد ثبتنا على التوبة مدة سنة تقريبًا، وحتى الآن نحن تقريبًا متأكدين أنه لم يحصل إيلاج، إلا أننا نخاف أن يكون قد حصل دون انتباه منا بسبب الانزلاق، وكيف تنصحنا بالتعامل مع الأهل لتعجيل الزواج أو العقد؟ مع العلم بأننا نعمل على الرأي القائل إن نكاحنا حلال بعد التوبة احتياطًا لديننا، ونحن نؤكد على عمق مشاعر الود والمحبة والثقة لكل واحد منا للآخر، وما يحدث بيننا من مخالفات هو بسبب العشق وصبرنا الطويل بسبب تجهيز بيت الزوجية والدراسة الجامعية، أشكرك من قلبي باسمي وباسم خاطبي وننتظر الجواب.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فلقد كان من تلبيس الشيطان عليك لإغرائك بالفاحشة، وسوسته لك بأن كلًّا منكما قد صار مضمونًا للآخر، وأن مسألة الزفاف مسألة زمن ووقت فقط، وهل هذا هو المانع الوحيد من الزنا؟ أين الإيمان؟! وأين الله يا بنيتي من ذلك كله؟! أما قرع سمعك قول الله تعالى:وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء: 32]؟! أما قرع سمعك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(1)؟! وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ، فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ»(2)؟! ومن أعجب العجب تزيينه لك هذه الفاحشة بإثارة رغبتك في التأكد هل ستنزفين دمًا أم لا! كأنها مجرد تجربة علمية في مختبر، فيا حسرة على العباد! أرجع بعد هذه الزفرة إلى موضوعك الأصلي فأقول: بادري على الفور إلى التوبة، ولا تؤخريها لحظة واحدة، فسواء حدث إيلاج أم لم يحدث، فقد وقعت جريمة شرعية، فهذه المباشرة، وهذا التهتك جريمة مكتملة الأركان، تقتضي توبة صادقة نصوحًا على الفور، ولا أدري كيف لم تنتبهي إلى ذلك؟ كأن الجريمة فقط هي الإيلاج، وأن ما دون ذلك على أصل الحل؟! رحماك يا الله! ومن التوبة يا أمَة الله أن يحدث تباعد بينكما في هذه الفترة، فإن الخطبة لا تُحِلُّ حرامًا في العلاقة بين المخطوبين، ولا تبيح إلا النظر المتبادل بينهما في البداية، ليتعرف كل منهما على مدى مناسبة الآخر له، ثم الحديث بالمعروف في غير خلوة ولا ريبة، وما وراء ذلك على أصل المنع والحرمة. وبعد التوبة إلى الله عز وجل ينبغي المبادرةُ إلى إبرام عقد النكاح أعجل ما يكون، وعقد نكاحكما صحيح في هذه الحالة بإذن الله، فلا يزال باب التوبة مفتوحًا حتى تطلع الشمس من مغربها(3). وأُحذِّر من التلكؤ في هذه الخطوة، فإن تأخير العقد مظنة لمعاودة الفاحشة مرة أخرى، عياذًا بالله من الخذلان. واشغلي نفسك يا بنيتي في هذه الفترة بعمل صالح تغسلين به خطايا الأمس المظلم، واتخذي لك رفقة صالحة، تدلُّك على الله، وتعينك على طاعته، وتزودي من العلم الشرعي ما استطعت، فإنه نور يضيء في أعماق النفس، ويعينك الله به على نفسك وشيطانك، وابتعدي عن مخالطة خاطبك في هذه الفترة الانتقالية، حتى يبرم العقد، فيكون كل منكما حلًّا للآخر، وساعتها ستتذوقون حلاوة المتعة الحلال، وستعرفون الفرق بين التلصص من وراء الجُدُر، وبين ما شرعه الله، وجعله آيةً من آياته(4). والله تعالى أعلى وأعلم.
———————————-
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الحدود» باب «لا يشرب الخمر» حديث (6772)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله» حديث (57) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «السنة» باب «الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه» حديث (4690)، والترمذي في كتاب «الإيمان» باب «ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن» حديث (2625)، والحاكم في «مستدركه» (1/ 72) حديث (56)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا برواته وله شاهد على شرط مسلم». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (509).
(3) فقد أخرج مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «استحباب الاستغفار والاستكثار منه» حديث (2703) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ».
وأخرج أيضًا في كتاب «التوبة» باب «قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب» حديث (2759) من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
وأخرج أبو داود في كتاب «الجهاد» باب «في الهجرة هل انقطعت» حديث (2479) من حديث معاوية رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تَنْقَطِعُ الْـهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا». وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (2479).
(4) قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].