شيخي العزيز أنا عندي وسواس قهرى في الطلاق، أي إنني أقاوم اللفظ بشدة حتى لا أتلفظ به، وذهبت إلى الطبيب والآن أتناول أدوية ولكن ما زالت ألفاظ الطلاق تأتي على لساني بشدة وأقاومها، ودائمًا خواطر وهواجس ألفاظ الطلاق في ذهني، وفي إحدى المرات وأنا أقوم بالتدريس للطلبة في الفصل المدرسي وأثناء الشرح تذكرت بعض كلام زوجتي الذي يُسيء لي، وجاءت وسوسة ألفاظ الطلاق عليَّ بشدة وقاومتها بكل قوة حتى نجحت في عدم التلفظ لأني لا أريد الطلاق، ولكن بعد فترة من الزمن سهوت مع نفسي وأصبحت في غفلة وقلت لنفسي بصوت مسموع هي تقول هذا الكلام هي طالق، ثم انتبهت لنفسي وقلت كيف أتلفظ بهذا الكلام وأنا منذ قليل أُقاومه بشدة، وأقسم لك يا شيخي أنني كنت في غفلة وسهو لأنني لو أريد الطلاق ما كنت أقاوم ألفاظ الطلاق التي تأتي على لساني، ولكني تلفظت غافلًا وساهيًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن أصحاب الوساوس القهري لا يحتسب عليهم الطلاق ولو تلفظوا به، إلا إذا قصدوا إليه وأرادوه إرادة حقيقيةً بطمأنينة؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة! بل هو مغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ثم إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه إذا لم يكن عن قصد؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مُغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقِ»(1)، فلا يقع منه طلاق إذا لم يُرِده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغمًا عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق».
فأعرض عن هذا الوسواس ولا تلتفت إليه، ولا حرج عند استحكام العلَّة في أن تلتمس التداوي عند المتخصصين، فـ«مَا أَنْزَلَ اللهُ عز وجل دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ»(2)، وأسأل الله أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 276) حديث (26403) ، وأبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على غلط» حديث (2193) ، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المكره والناسي» حديث (2046) ، والحاكم في «مستدركه» (2/ 216) حديث (2802). من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وحسنه الألباني في «إرواء الغليل» حديث (2047).
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 413) حديث (3922) ، وابن ماجه في كتاب «الطب» باب «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» حديث (3438) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 50) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».