تحية عطرة لشيوخنا الكرام، وجزاكم الله خيرًا، هذا أفضل الثناء. لدي سؤالان بارك الله فيكم أجمعين.
السؤال الأول:
زوجتي تعمل بمجال مختلط، وكانت- هداها الله- تكذب عليَّ بأنها في مجال نسائي بحت، فاكتشفت ذلك، فقلت لها: اتركي الوظيفة. فرفضت، فلجأت للمحكمة، وكانت تقول: أنا شرطت عليك. ولكن رَدِّي عليها أن: كل شرطٍ لم يُذكَر في كتابٍ فهو باطل. فقالت: سوف أطالب بالخلع. فقلت لها: الخلع من حق الزوجة، والطلاق بيد الرجل.
وقلت لها: راح يجبرك القاضي: إما الرجوع للبيت، وإما تدفعين المهر.
فقالت: سوف أدفعه.
المهم قلت لها: (أعطيني المهر وأنا سوف أطلقك). وكررتها عدة مرات، وأنا أعلم بأن هذا ما بين القوسين ليس طلاقًا، وإنما بمعنى الوعد بالمستقبل. فهل هذا صحيح ليس طلاقًا؟ وكررته لأني أعلم بأنه ليس طلاقًا، مع العلم بأنها سببت لي وساوس بالطلاق بسبب كثرة المشاكل.
السؤال الثاني بارك الله فيكم:
كنت بورشة لِرَشِّ سيارتي، وقد اتفقنا على سعر (750)، وحدَّثت نفسي بالحلف بالطلاق أن أعطيه (700) ريال فقط، كان بيني وبين نفسي، ومجرد فكرة، ولكن قلت: قد يكون هناك تلفظٌ مسموعٌ، والله العالم، لا أعلم تلفظت أم لا.
وبعد الرش أعطيته (700) وقلت له: سامحني في الخمسين، وأنا سوف أشتري لك مكيفًا وأعطيك إياه بدون فائدة برأس ماله، ووعدته أن أخدمه بهذا الشيء، فقلت له: سامحني في الخمسين ولك (700) ريال. فوافق، وتم إعطاؤه (700)، وسامحني في (50)، وكان يقول: سوف أخصم (50) من قيمة المكيف. فقلت له: لا، سامحني، ولن أذهب إلى أن تسامحني. فسامحني بقلب طيب.
وبعدها، بما أني وعدته اشتريت له مكيفًا بـ(315) ريالًا، وذهبت به إلى ورشته وأعطاني (310) ريال بحكم تواجدها فقط بجيبه، وبقيت خمسة ريالات فقال: لا توجد معي. فأخذتها وذهبت، فهل عليَّ شيء؟
علمًا بأن الاتفاق الذي حلفت عليه هو أن أعطيه (700)، فأعطيته، أما الوعد كان بأن أصنع له معروفًا نظير مساعدتي، فعملت له معروفًا ولكن لا توجد معه إلا (310)، نقصت (5) ريالات، فلو فرضنا أني تلفظت بصوت مسموع فهل في هذا شيء؟
علمًا بأنه حديثٌ لنفسي، ولكني شككت، وفي نفس الوقت أوفيت بما حلفت به.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن قولك لها: «أعطيني المهر وأنا سوف أطلقك» ليس طلاقًا ناجزًا، ولكنه وعيد بالطلاق قد تنجزه وقد تخلفه، وإن أخلفته لا يلزمك من ذلك شيء.
أما بالنسبة لسؤالك الآخر فاعلم- سلَّمك الله- أنه لا يقع الطلاق بحديث النفس؛ لأن الله تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1)، كما لا يقع الطلاق كذلك بالشكِّ؛ لأن وجود العصمة وبقاءَها يقين، واليقين لا يزول بالشك، والأصل بقاءُ ما كان على ما كان حتى يثبت تغيره.
فما دمت لم تجزم بأنك قد تلفظت بالطلاق فلا يلزمك من ذلك شيء، وعلى فرض أنك نطقت بالطلاق فلا يقع الطلاق بالعفو عن هذه الريالات الخمسة؛ لأنها معروف جديد استحدثته له، وليست استقطاعًا من الخمسين ريالًا التي سبق أن سامحك بها وطابت بها نفسه. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.