شيخنا الكريم الدكتور صلاح الصاوي؛ تحية طيبه وبعد:
الطلاق المعلق على شرط هل يقع إذا تم مخالفته بحديث النفس دون التلفظ؟ قلت: عليَّ الطلاق أنا لا أكلم هذا الشخص، بحديث النفس دون التلفظ.
ولكن يشككني وسواس الشيطان بأن قد تحرك لساني دون علمي أو تكلمت وأنت ناسي. تدور هذه الوساوس في نفسي، وقلت بداخلي، وهذا أعلم أنه بداخلي: علي الطلاق إذا سافرت سوف أفعل شيئًا، وإذا لم أفعله هل يقع الطلاق بحكم الطلاق المعلق عل شرط ولكن بحديث النفس دون التلفظ؟
أرجو الإجابة الشافية يا شيخنا الكريم لأني تعبتُ من هذا التفكير، وأنا مقبلٌ على اختبارات نهاية العام، هل يقع أو لا شيء علي ولا يقع الطلاق؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله لي ولك العافية، وأعلم أيها الموفق أن الله تعالى قد تجاوز لهذه الأمة عما حدَّثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1). كما رفع عنها إثمَ الخطأ والنسيان(2).
فإذا كانت المخالفةُ بمجرَّد حديث النفس فلا أثر لذلك على وقوع الطلاق، ومثل ذلك إذا فعلت المحلوف عليه خطأً أو نسيانًا, فقد قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286]. وثبت في الصحيح أن الله تعالى قال: «قَدْ فَعَلْتُ» (3).
ومن ناحية أخرى فإن اليقينَ لا يزول بالشك، فالعصمة الثابت بيقين لا تزول بالشكِّ في الطلاق.
فاخرج من هذه المحرقة، ولا تُلق بنفسك في هذه التهلكة، ولا تسلمها إلى هذه الوساوس.
وأعلم أن التديُّنَ لم يكن ولن يكون سببًا في شقاء المرء، بل نحن الذين نجعله بعجلتنا أو بجهالتنا أو بسوء تأويلنا يبدو كذلك، ودينُ الله منزَّه عن ذلك كله، فالله جل جلاله هو القائل: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وهو القائل: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) فقد أخرج الحاكم في «مستدركه» (2/216) حديث (2801)، وابن حبان في «صحيحه» (16/202) حديث (7219)، والبيهقي في «الكبرى» (7/356) حديث (14871)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْـخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وقال البيهقي: «جود إسناده بِشر بن بكر وهو من الثقات».
(3) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق» حديث (126) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.