زوجي طلقني مرتين طلقتين صريحتين، وسألنا الشيوخ فقالوا أنهم وقعوا، وبعد ذلك عرفت بالصدفة طلاق الكناية، وزوجي قبل ذلك قال في أكثر من مشكلة: «أنا مش عايزك وخليك قاعدة عند أمك» بعد الطلقة الأولى قبل أن يُرَاجعني، وفي مرة أخرى قال: «الباب عندك». ومرة ثالثة قال: «لو خرجتي ما ترجعيش تاني». وأنا خرجتُ بالفعل. وسألنا عدة شيوخ؛ بعضهم قال: لا يقع الطلاق إلا بالصريح، أما طلاق الكناية مختلف فيه ولا يقع حتى لو نيته الطلاق. وشيخ آخر قال: طالما أنه لا يعرف بطلاق الكناية فلا يقع طلاقه؛ لأنه لو كان يريد الطلاق لكان طلَّق بالصريح.
وعندما أسأله يقول: يحتمل أن يكون قصدي طلاقًا أو تهديدًا. هو قال أنه كان على استعداد للطلاق لكن يريد أن أطلبه أنا عن طريق المحكمة.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم(1).
الطلاق الكنائي يا بُنيَّتي لا يقع إلا إذا نوى به الطلاق، ومعنى النيَّة القصدُ إلى الشيء بغيرِ تردُّدٍ، والنية تَتْبَعُ العلمَ، فمن كان يجهل الطلاق الكنائي ابتداءً ولا يعلم سبيلًا إلى وقوع الطلاق إلا الطلاق الصريح، فهذا لم ينو بألفاظه تلك الطلاقَ، فلا يُحتسب عليه طلاقٌ بشيء من ذلك.
والخلاصة أنه ما دام يجهل الطلاقَ الكنائي، وصرَّح بأنه كان لا يريد أن يكون هو البادِئَ بالطلاق، مع تردُّده في نيته وتشككه فيها، بسبب إلحاحاتك المتتابعة، فلا يقع عليهِ شيءٌ منها، ولا يحتسب عليه إلا الطلاق الصريح، وهما الطلقتان اللتان وردت الإشارة إليهما في رسالتك، ولكن تجنَّبي أن تضعي نفسك في هذه المضايق مرةً أخرى، لأن هذه هي الفرصة الأخيرة، فأيُّ طلاق سيقع بعد اليوم سيجعلك بائنةً بينونةً كبرى؛ فلا تحلين له من بعد حتى تنكحي زوجًا غيره(2).
فاتقي الله في زوجك، وأحسني التبعل له(3)، وأعطِه حقَّه من الطاعة والتوقير.
وأسأل الله أن يقذِفَ المودَّةَ بينكما، والهدى في قلوبكما، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه مسلم معلقًا في «المقدمة» عقب باب «بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذَّبِّ عن الشريعة المكرمة»؛ من قول محمد بن سيرين رحمه الله.

(2) قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 229، 230].

(3) فقد أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» (6/ 421) حديث (8743)، وابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/1787 – 1788) حديث (3233) من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي لك الفداء أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجًّا أو معتمرًا ومرابطًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَسْأَلَتِهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟». فقالوا: يا رسول الله، ما ظنننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: «انَصْرِفِي أَيَّتُهَا الْـمَرْأَةُ وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنْ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا وَطَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ». فأدبرت المرأةُ وهي تهلل وتكبر استبشارًا.