أنا مرة قلت لأمي: لا أريد زوجتي. هل هذا من الكنايات؟ علمًا بأني لم أكن أعلم وشاكٌّ في نيتي وقتها.
أيضًا أنا حلفت بالطلاق بنيتي داخل قلبي وحنثت، ولكن لم أحرك لساني وشفتاي هل يقع؟
أيضًا يا شيخ قلت أكثر من مرة اللفظ الصريح ولكن لم أحرك لساني، لساني كان ملتصقًا بأعلى فمي ويتحرك بثقل، لكن أظن أن الحروف غير واضحة بدون صوت.
أيضًا قبل أن أستفتيكم بموضوع الحلف كنت لا أعلم بماذا حلفت، وتذكرت بعد أربعة أشهر أو أكثر، ولم أكن أعلم الحلف، فقلت لها: راجعتك. وسألت أمي قالت: لقد حلفت بكذا وكذا، وأنا لم أحنث فأفتيتموني بأنه لا يقع، وأخذت بفتواكم، هل تحتسب علي؟ علمًا بأني لم أستفت أحدًا عندما قلت: راجعتك. أرجوك أرجوك أرجوك، فالحزن عصَر قلبي، أجبني لأني لا أعلم إن كنت موسوسًا، إنما تذكرت هذه الحالات، أفتني يا شيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
• فإن قولك لأمك أنك لا تريد زوجتك لا يُعد في غالب حديث الناس من كنايات الطلاق، وإنما هو تعبير عن أزمة عاطفية عابرة في العلاقة بين الزوجين، إلا إذا كنت قد قصدت به الطلاق وعقدت العزم عليه فتلك قضية أخرى، وضابط الكناية في الطلاق أنها: كل لفظ يدلُّ على الفرقة فإذا قصد به صاحبه الطلاق كان طلاقًا وإلا فهو لغو!
وإذا شكَكت هل كنت تنوي بها الطلاق أو لا فإن الأصل هو وجود العصمة واستدامتها وذلك يقين، واليقين لا يزول بالشك، فلا تأثير لذلك على العصمة إن شاء الله.
• والطلاق لا يقع لمجرد النية أو حديث النفس، بل لابد من التعبير عنه بقول أو كتابة ونحوه؛ فإن الله تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به(1)، قال الشَّافعيَّة: «لا يحنث من خالف المحلوفَ عليه جاهلًا أو ناسيًا أو مكرهًا أو مقهورًا، ولا تنحلُّ اليمين في جميع هذه الصُّور، ولا يحنث أيضًا إن تعذَّر البرُّ بغير اختياره»(2).
والطلاق الذي أفتيناك بأنه لا يقع لأنه كان حديث نفس مثلًا لا يضرك إن قلت خطأً بعده لزوجتك: رددتك إلى عصمتي. ولا تحتسب عليك بذلك طلقة لأن الله تعالى رفع الإثم عن المخطئ والناسي(3).
• وقد قلت لك: إن مثلك ولو تلفظ بالطلاق بلسانه لا يقع طلاقه إلا إذا قصده عن طمأنينة لأنك مبتلى بوسواس قهري، فلا يقع طلاقُك بهواجس وعوارض لا تستطيع لها دفعًا، اللهم إلا إذا قصدت إلى الطلاق حقيقةً وبطمأنينة، بعيدًا عن هذه الهواجس والوساوس، وندعو الله لك أن يمسح عليك بيمينه الشافية، وأن يجمع لك بين الأجر والعافية. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الطلاق» باب «الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون» حديث (5269) ، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب» حديث (127) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) انظر: «الفتاوى الفقهية الكبرى» لابن حجر الهيتمي الشافعي (4/177).
(3) قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].