حلف زوجي عليَّ بالطلاق ألا أصرف من راتبي على المنزل. ثم سألته عن نيته فقال: إنه كان للتهديد. فسألتُ شيخًا فقال: يدفع كفارةً. فأخبرته بذلك فقال أنه سوف يدفعها.
وبعدها بفترة سألتُه على سبيل التذكرة إذا كان قد دفعها أم لا، ففُوجئت به يقول لي: «أنتِ بَرْده صرفتِ، تبقي طالق».
لا أعرف لماذا قال ذلك، مع أنه هو الذي أذن لي في الصرف، وأنا لم أكن لأفعل شيئًا حَلَفَ عليه إذا كنت متأكدة أن نيَّته الطلاق.
فهل طالما فعلتُ ما حلف عليه جاهلةً لا يُعَدُّ طلاقًا، أو كان هو قد نسي أنه أذن لي أصلًا، كما أنه حدث بعد طُهر جامع هو فيه. أرجو من فضيلتك الفتوى، وجُزِيتم الجنةَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا أدري لِمَ تهون العلاقات الزوجية على هذا النحو، وتُصبح مُعلَّقةً بخيوط واهية تتمزق عند أول عارض من فتنة؟! هل هو استفزاز الزوجة لزوجها مما يدفعه إلى مثل هذه المواقف الطائشة التي تتهدد مستقبل الحياة الزوجية؟ أم هو محض اندفاع الأزواج واستهانتهم بهذه العقدة التي سماها الله تعالى في كتابه: ميثاقًا غليظًا؟ أم هو كلا الأمرين معًا؟!!
أيًّا كان الأمر يا أمةَ الله فإن قوله لك فيما بعدُ: «أنتِ برده صرفتِ، تبقي طالق»! إن قَصَد به إنشاء طلاق جديد فهو طلاق بدعي؛ لكونه طلَّق في طهر قد جامع فيه، والفتوى عندنا على عدم وقوع الطلاق البدعي، وإن كان قد قصد الإخبار عن وقوع الطلاق المعلق الذي سبق أن أخبر عنه فيما مضى فإنه يُراجع في هذا القول؛ لأنه قد قَبِل مِن قبلُ فتوى مَن ذُكِر له من الشيوخ أن هذا الطلاق الذي قصد به الحلف ولم يقصد به الطلاق يُعتبر يمينًا وليس طلاقًا، وأنه يخرج من تبعته عند الحنث بكفارة يمين، وأخبرك أنه سيدفع هذه الكفارة، ومعنى ذلك أنه قد أذن لك بالإنفاق، فيُراجع الزوج في ذلك، فإن أقر به كان إخباره خطأً أو نسيانًا فيُعتبر لغوًا لا تترتب عليه أية آثار؛ لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286] وقد صح أن الله تعالى قال: «قَدْ فَعَلْتُ».
ووصيتي للزوجين أن يأتمرا بينهما في مثل هذه المسائل بمعروف، ونُذكِّر الزوجة خاصة بما تعبدها الله به من حسن التبعُّل لزوجها وحسن الطاعة له، ونذكر الزوج خاصة بوصية النبي ﷺ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»، وبدعائه ﷺ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفِقْ بِهِ»(1). والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم» حديث (1828) من حديث عائشة ل.أخرجه مسلم في كتاب «الإمارة» باب «فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم» حديث (1828) من حديث عائشة .