توفي والدي منذ حوالي الشهرين عن عمر يناهز الثمانين سنة، وانحصر ميراثه في أولاده: ثلاثة ذكور وبنت واحدة وذلك بسبب وفاة والدتي منذ زمن بعيد، وقد كان والدي قبل وفاته بحوالي العشرين سنة قد اشترى لأختي «باصًا» للركاب لكي يساعد زوجها على تحسين مستواه المعيشي، وقد كانت قيمته وقتها حوالي العشرة آلاف دولار، أما اليوم فهو يساوي حوالي الثلاثين ألفًا بسعر السوق، وذلك كونه يتمتع برخصة تشغيل عامة.
اجتمعنا نحن الإخوة الأربعة للبحث في تقسيم التركة التي تتضمن عقارات وبعض الأموال، وذلك حسب الأصول الشرعية، وهنا تفاجئنا أختنا بالقول بأنها وقبل وفاة والدها بحوالي الشهر قد جلست وتكلمت معه وعرضت عليه دفع مقابل لثمن الـ«باص» والرخصة، مع العلم أن وضعها المادي سيئ جدًّا، والدي كان من أشد العالمين بوضعها السيئ فرفض وقال لها: أن تعتبر الـ«باص» والرخصة كهدية منه لها؛ لذلك رفضت أن يكون الـ«باص» من ضمن الميراث، ويعتبر هدية من والدها لها.
هذا مع العلم أن والدي لم يخبرني أو يخبر أحدًا من إخوتي عن الموضوع، لكن أختي أقسمت أن الكلام الذي قالته هو كلام صدق، مع العلم أن حصة أختي الشرعية من والدها هي أكثر بكثير من ثمن الـ«باص»، حيث تبلغ حوالي الخمسين ألف دولار.
هل يمكن اعتبار كلام والدي بمثابة وصية شرعية، أو أن نعتبره بمثابة الحياء أو المجاملة مع أختي كونه لم يخبر أحدًا رغم أنه كان يعيش في نفس البيت مع أخي؟ وجزاكم اللهُ كل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل أن يحمل حال المسلم على السلامة وعدم التهمة، والوالد قد يخبر بقية أولاده بما فعله مع بعضهم، وقد يحجب ذلك منعًا للغيرة أو الحسد ونحوه، فأرى أن تكلوها إلى نيتها، وأن تمضوا لها دعواها صلة لها وبرًّا بوالدكم، فإن كانت كاذبة باءت بإثمها، وإن كانت صادقة فقد وصلتم أختكم وبررتم والدكم وأنفذتم هبته.
ونسأل الله جل وعلا أن يجزل لكم المثوبة على ذلك، وأن تجدوا عقباه عافية في أبدانكم وسعة في أرزاقكم وصلاحًا في ذرياتكم.
وقولي هذا على سبيل الصلح بينكم، والصلح خير(1)، أما إذا أردتم حل المسألة قضاءً فإن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر(2)، فإذا لم تقم على دعواها بينة رد الأمر إلى الطرف الآخر المنكر، فيحلف وتثبت له دعواه، وتكون السيارة في جملة التركة. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) قال تعالى: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128]
(2) فقد أخرج الترمذي في كتاب «الأحكام» باب «ما جاء أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» حديث (1341)، والبيهقي في «الكبرى» (8/123) حديث (16222)، والدارقطني في «سننه» (3/111) حديث (99)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ب. ولفظ الترمذي: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْـمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْـمُدَّعَى عَلَيْهِ». ولفظ البيهقي والدارقطني: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ». وقال الترمذي: «هذا حديث في إسناده مقال»، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/287) وقال: «رواه الدارقطني والبيهقي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بإسناد مقارب».