والدي ميسور الحال، ويُريد أن يشتريَ شَقَّة بستمائة وخمسين ألف جنيه ويكتبها لأختَيَّ البنتين ويكتب لي شَقَّةً أخرى بثلاثمائة وخمسين ألف جنيه، وقد استأذنني ولكني أجد في نفسي عدم رضًا وأشعر ببعض التفضيل لهما في هذا الأمر بحجَّة أنهم نساء.
السُّؤال هو: هل لوالدي الحقُّ في كتابة وتوزيع هذه الأموال بهذه الطَّريقة؟ وهل يحقُّ لي الرفضُ أم يُعتبر هذا من العقوق له؟ أرجو الإفادة أثابكم الله وجزاكم عنَّا خيرَ الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهلُ العلم في مفهوم العدل الواجب بين الأولاد في العطيَّة: فمنهم من قال: إن معيار العدل هو تطبيق قواعد الميراث للذَّكَر مثل حظِّ الأنثيين. وهو قول مالك(1) وأحمد(2) ومحمد بن الحسن(3) وعطاء وشريح، وحجَّتهم أن العطيَّة في الحياة إحدى حالتي العطيَّة كحالة الموت، كالزَّكاة المعجَّلة والكَفَّارات قبل الحنث. ومنهم من قال بالتسوية بينهم ذكورًا وإناثًا؛ لأنه معاشٌ والأسوة فيه خيرٌ من المفاضلة. وهذا قول جمهور أهل العلم، فهو قول أبي حنيفة(4) وأبي يوسف(5) والشَّافعي(6)؛ لعموم ظاهر النص النبوي: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً»(7). والبنت كالولد في استحقاق البرِّ فكذلك في العطيَّة.
وفي «مسند سعيد بن منصور»: قال ﷺ: «سَاوُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَلَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا أَحَدًا لَآثَرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ»(8).
وإذا كان والدُك قد سوَّى بينكم في العطيَّة تقريبًا، فما فعله هو اجتهادٌ معتبرٌ قال به جمهور أهل العلم(9)، فلا وجه للإنكار عليه، وينبغي أن تُعلِّم قلبك الترفُّع عن حطام الدُّنْيا، وأن تملأه بمحبَّة الخير لأخواتك والحرص عليهن، فلو كان التفضيل في العطاء مشروعًا لكان أولى به النِّساء لضَعْفهن وحاجتهن.
زادكم اللهُ هدى وتوفيقًا. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1)جاء في «حاشية الصاوي» من كتب المالكية (4/118-119): «وأما هبة الرجل لبعض ولده ماله كله أو جله فمكروه اتفاقا ، وكذا يكره أن يعطي ماله كله لأولاده يقسم بينهم بالسوية إن كانوا ذكورًا وإناثًا ، وإن قسمه بينهم على قدر مواريثهم فذلك جائز».
وجاء في «حاشية العدوي» من كتب المالكية (2/261-262): «( و ) من كان له ولدان فأكثر ومعه مال ( يكره ) له كراهة تنزيه على المشهور ( أن يهب لبعض ولده ماله كله ) أو جله ما لم يقم عليه أولاده الآخرون فيمنعونه من ذلك مخافة أن تعود نفقته عليهم ، والأصل فيما ذكر ما في حديث الصحيحين : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. ( وأما ) إذا وهب له ( الشيء ) اليسير ( منه ) أي من ماله ( فذلك سائغ ) أي جائز غير مكروه ، وقيدنا باليسير لقوله في الجلاب : ويكره له أن يهب ماله كله إلا أن يكون يسيرا . قلت : قال في النوادر : وقد فعله الصديق رضي الله عنه وبه قال عمر وعثمان رضي الله عنهما ، وكذا يكره له أن يقسم ماله بين أولاده الذكور والإناث بالسوية ، أما إذا قسمه بينهم على قدر مواريثهم فذلك جائز».
(2) جاء في «شرح الزركشي» من كتب الحنابلة (4/306-308): «ش : المشروع في عطية الأولاد التسوية بينهم ؛ لما روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: اعدلوا بين أبنائكم. رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ويسوي بينهم على قدر ميراثهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، اقتداء بقسمة الله تعالى ، وقياسا لحال الحياة على حال الموت».
(3) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (12/54-56): «المذهب أنه ينبغي للوالد أن يسوي بين الأولاد في العطية عند محمد رحمه الله على سبيل الإرث للذكر مثل حظ الأنثيين»
(4) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (12/54-56): «المذهب أنه ينبغي للوالد أن يسوي بين الأولاد في العطية»
(5) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (12/54-56): «وعند أبي يوسف رحمه الله يسوى بين الذكور والإناث».
(6) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (12/54-56): «وعند أبي يوسف رحمه الله يسوى بين الذكور والإناث».
وجاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (6/123-127): «وينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في النحلى لقوله سبحانه وتعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}. ( وأما ) كيفية العدل بينهم فقد قال أبو يوسف: العدل في ذلك أن يسوي بينهم في العطية ولا يفضل الذكر على الأنثى. وقال محمد : العدل بينهم أن يعطيهم على سبيل الترتيب في المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين كذا ذكر القاضي الاختلاف بينهما في شرح مختصر الطحاوي، وذكر محمد في الموطإ ينبغي للرجل أن يسوي بين ولده في النحل ولا يفضل بعضهم على بعض . وظاهر هذا يقتضي أن يكون قوله مع قول أبي يوسف وهو الصحيح».
(7)جاء في «تحفة المحتاج» من كتب الشافعية (6/307-309): «( ويسن للوالد ) أي : الأصل وإن علا ( العدل في عطية أولاده ) أي : فروعه وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد سواء أكانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال جمع: يحرم».
وجاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (2/483): «ويكره ) للوالد وإن علا ( أن يهب لأحد ولداه أكثر ) من الآخر ( ولو ذكرا ) للنهي عن ذلك في خبر الصحيحين، ولئلا يفضي ذلك إلى العقوق، وفارق الإرث بأن الوارث راض بما فرض الله له بخلاف هذا وبأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة ، أما بالرحم المجردة فهما سواء كالإخوة والأخوات من الأم».
جاء في «تحفة المحتاج» من كتب الشافعية (6/307-309): «( ويسن للوالد ) أي : الأصل وإن علا ( العدل في عطية أولاده ) أي : فروعه وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد سواء أكانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال جمع: يحرم».
وجاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (2/483): «ويكره ) للوالد وإن علا ( أن يهب لأحد ولداه أكثر ) من الآخر ( ولو ذكرا ) للنهي عن ذلك في خبر الصحيحين، ولئلا يفضي ذلك إلى العقوق، وفارق الإرث بأن الوارث راض بما فرض الله له بخلاف هذا وبأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة ، أما بالرحم المجردة فهما سواء كالإخوة والأخوات من الأم».
(8) أخرجه مسلم في كتاب «الهبات» باب «كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة» حديث (1623) من حديث النعمان بن بشير ب.
(9) أخرجه بلفظه وتمامه سعيد بن منصور في «مسنده» (1/119) حديث (293)، وابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» (21/333- 334)، مرسلًا عن يحيى بن أبي كثير:.
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» (1/512) حديث (454)، والطبراني في «الكبير» (11/354) حديث (11997)، وابن عدي في «الكامل» (3/380) حديث (808)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (6/177) حديث (11780)، و«سننه الصغرى» (5/492) حديث (2212)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (11/107) حديث (5801)، وابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» (21/33)، والديلمي في «مسند الفردوس» (2/308) حديث (3391)، مرفوعًا عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس ب عن النبي ﷺ قال: «سَوُّوا بين أَوْلادِكُمْ في الْعَطِيَّةِ فَلَوْ كنت مُفَضِّلا أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ». وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (5/214) وقال: «أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن »، والمباركفوري في «تحفة الأحوذي» (4/507) وقال: «أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن »، والزرقاني في «شرحه» (4/54) وقال: «أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن»، والهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/153) وقال: «فيه عبدالله بن صالح كاتب الليث قال عبدالملك ابن شعيب: ثقة مأمون، ورفع من شأنه وضعفه أحمد وغيره»، وعزاه المناوي للخطيب وابن عساكر في «التيسير بشرح الجامع الصغير» (2/51) وضعفه، وذكره الصنعاني في «سبل السلام» (3/89) وقال «أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي بإسناد حسن»، وضعفه الشوكاني في «نيل الأوطار» (6/110). وذكره الألباني في «إرواء الغليل» (1628) وقال: « أخرجه ابن عدي في «الكامل» وخالد بن مرداس في «حديثه» والبيهقي والخطيب في «تاريخ بغداد» من طريق إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف الرحبي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس به، إلا أنهم قالوا: «في العطية, فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء». واستنكره ابن عدي فقال فى ترجمة سعيد هذا: لا أعلم يروي عنه غير إسماعيل بن عياش, ورواياته بإثبات الأسانيد لا بأس بها, ولا أعرف له شيئًا أنكر مما ذكرته من حديث عكرمة عن ابن عباس. قلت: وسعيد هذا متفق على تضعيفه. وكذلك جزم جماعة من أصحاب أحمد بضعف هذا الحديث كما ذكر ابن عبد الهادى في «التنقيح» (2/238), وأما ما ذكره المصنف: عقب الحديث: الصحيح أنه مرسل. ذكره في الشرح- فلم أر أحدًا من أهل العلم ذكر ذلك, والله أعلم». وتعقبه صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في «التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل» بقوله: « وقفت عليه مرسلًا بإسناد صحيح إلى المرسل رواه سعيد في «سننه»… وهذا إسناد صحيح مرسل، والطريق المرفوعة ضعيفة، فقوله في الشرح: الصحيح أنه مرسل- ظاهر وصواب».