ما حكم لمس الزوج بشهوة من مصافحة أو قبلة، ثم الصلاة بغير تجديد الوضوء؟ وما الحكم إذا كان بغير شهوة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم، ولعل أصح الأقوال فيها أن ما كان من ذلك بشهوة فهو الذي ينتقض به الوضوء، لقوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: 43]، وقرئ ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ [النساء: 43]
قال عُمر: القبلة من اللمس فتوضئوا منها(1).
أما ما كان بغير شهوة فلا ينقضه، أي إذا لم يقصد الشهوة ولم يجدها فلا وضوء عليه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يُقبِّل ثم يصلي ولا يتوضأ(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «مسألة في لمس النِّساء: هل ينقض الوضوء، أم لا؟
الجواب: الحمد لله، أما نقض الوضوء بلمس النِّساء فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال، طرفان ووسط، أضعفها: أنه ينقض باللَّمس وإن لم يكن لشهوةٍ إذا كان الملموس مَظِنَّةً للشهوة، وهو قول الشَّافعي(3)، تمسُّكًا بقوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: 43]، وفي القراءة الأخرى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ﴾ [النساء: 43]
القول الثَّاني: أن اللَّمس لا ينقض بحالٍ، وإن كان لشهوة، كقول أبي حنيفة(4) وغيره.
وكلا القولين يذكر روايةً عن أحمد(5)، لكن ظاهر مذهبه كمذهب مالك(6) والفقهاء السبعة: أن اللَّمس إن كان لشهوة نقض، وإلا فلا. وليس في المسألة قولٌ متوجِّه إلا هذا القول أو الذي قبله». انتهى(7).
وهو قول علقمة وأبي عبيدة والنَّخعي والحَكَم وحمَّاد ومالكٍ والثَّوريِّ وإسحاقَ والشَّعْبيِّ، فإنهم قالوا: يجب الوضوءُ على مَن قبَّل لشهوةٍ، ولا يجب على من قبَّل لرحمةٍ. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) وهي قراءة حمزة والكسائي. انظر «حجة القراءات» لابن زنجلة (1/204).
(2) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1/229) حديث (470).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب «الطهارة» باب «الوضوء من القبلة» حديث (178)، والترمذي في كتاب «الطهارة» باب «ما جاء في ترك الوضوء من القُبلة» حديث (86) من حديث عائشة ل، وقال الترمذي: «وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء»، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (178).
(4) قال الشيخ المحلي في «شرحه للمنهاج» في أسباب الحدث (1/36-37): «(الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة). قال الله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: 43] أي: لمستم كما قرئ به، واللمس الجس باليد كما فسره به ابن عمر رضي الله عنهما. والمعنى في النقض به أنه مظنة للالتذاذ المثير للشهوة ومثله في ذلك باقي صور الالتقاء، فألحق به وأطلق عليه في الباب اللمس توسعًا (إلا محرمًا) فلا ينقض لمسها (في الأظهر) لأنها ليست محلًّا للشهوة».
(5) جاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (1/146-147): «(لا) ينقضه (مس ذكر) لكن يغسل يده ندبًا (وامرأة) وأمرد، لكن يندب للخروج من الخلاف لاسيما للإمام، لكن بشرط عدم لزوم ارتكاب مكروه، مذهبه».
(6) قال المرداوي في «الإنصاف» في نواقض الوضوء (1/211-213): «قوله (الخامس: أن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة) هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب. وعنه: لا ينقض مطلقًا، اختاره الآجري والشيخ تقي الدين في فتاويه».
(7) جاء في «حاشية العدوي» من كتب المالكية (1/138-140): «(ويجب الوضوء من الملامسة) وهو ما دون الجماع على ما فسر به جماعة من الصحابة والتابعين ومالك وأصحابه قوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: 43] أجل قصد الـ (لذة) وجدها أو لا أو لوجود اللذة من غير قصد كان اللامس رجلًا أو امرأة، كان الملموس ظفرًا أو شعرًا، كانت الملامسة على ثوب أو على غير ثوب، على قول ابن القاسم. وأبقاه بعضهم على ظاهره وقيده بعضهم بأن يكون الثوب خفيفًا، وقيد ابن ناجي كلام الشيخ إذا كان اللامس رجلًا بما إذا كان الملموس ممن يلتذ بلمسه عادة احترازًا من الصغيرة؛ لأنه لا يلتذ بلمسها عادة، وكذا المحرم لقيام المانع العادي. وقال الفاكهاني: هذا كله في اللامس، وأما الملموس فإن بلغ والتذ توضأ، وإلا فلا شيء عليه ما لم يقصد اللذة فيصير لامسًا. قوله: (والمباشرة بالجسد للذة) حشو».