هل هناك عددٌ مُعيَّن للاستنجاء مثل الاستجمار؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن العددَ إنما يُشترط في الأحجار فقط، وهو ثلاثُ مَسَحات، فإن لم يحصل إنقاءٌ بها زاد عليها حتى يحصل الإنقاء، ومن أهل العلم كالحنفيَّة(1) والمالكيَّة(2) من اعتبر أن العبرةَ بالإنقاء، فإن حصل بما دون الثَّلاث أجزأه، ويُصبح ما زاد عن الإنقاء ندبًا.
وأما إذا استنجى بالماء فإنه لا يُشترط لذلك عددٌ معين، بل الواجبُ هو إنقاءُ المَحَلِّ وأن يعودَ كما كان قبل خروج النَّجاسة. ورُوي عن أحمد اشتراطُ سبعِ غَسَلات، وفي روايةٍ أخرى اشتراط ثلاث غسلات(3)، والصَّحيح ما قدَّمناه من أن المُعتبرَ هو حصولُ الإنقاء.
قال ابن قُدامة في «المغني»: «فأما عدد الغَسَلات فقد اختُلف عن أحمد فيها، فقال في رواية ابنه صالح: أقلُّ ما يُجزئه من الماء سبعُ مرات. وقال في رواية محمد بن الحكم: ولكن الـمقعدة يُجزئ أن تُمسح بثلاثة أحجارٍ، أو تغسلها ثلاثَ مرَّات. ولا يُجزئ عندي إذا كان في الجسد أن يغسله ثلاثَ مرَّات؛ وذلك لما رَوَتْ عائشة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يغسل مقعدته ثلاثًا. رواه ابن ماجه(4). وقال أبو داود: سئل أحمد عن حد الاستنجاء بالماء فقال: يُنقِّي. وظاهرٌ هذا أنه لا عدد فيه، إنما الواجب الإنقاء، وهذا أصحُّ؛ لأنه لم يَصِحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك عددٌ ولا أمر به»(5). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) قال ابن نجيم الحنفي في «البحر الرائق» (1/253-254): «(قوله: وما سُن فيه عدد) أي: في الاستنجاء لما قدمنا من أن المقصود إنما هو الإنقاء»، وقال العيني في «البناية» (1/751-755): «(وليس فيه) ش: أي: في الاستنجاء بالحجر ونحوه م: (عدد مسنون) ش: أي عدد فيه سنة، لأن النجاسة مرئية فكان المقصود زوال عينها أو حقيقتها فلا يعتبر بالعدد في ذلك، والحاصل أن عندنا المقصود هو التنقية دون العدد، حتى إذا حصلت التنقية بالمرة الواحدة لا يحتاج إلى الثانية، وإذا لم تحصل التنقية بثلاث مرات يزاد على الثلاث»
(2) جاء في «حاشية العدوي» من كتب المالكية (1/176-178): «(ومَن استجمر بثلاثة أحجار يخرج آخرهن نقيًّا) وفي نسخة نقية (أجزأه) بهمزة أي: كفاه ذلك، أُخِذ من كلامه أشياء منها: أن الاقتصار على الاستجمار يجزئ، ولو كان الماء موجودًا وهو كذلك عند الجمهور، ومنها: أن غير الحجر لا يقوم مقامه والمشهور أنه يكون بكل جامد طاهر غير مؤذٍ ليس مطعومًا قلاع للأثر: ليس بذي حرمة ولا شرف، ومنها: أنه لو استجمر بدون الثلاثة لا يجزئ، والمشهور أنه إذا حصل الإنقاء ولو بحجر واحد أجزأ».
(3) قال المرداوي الحنبلي في «الإنصاف» (1/310-314): «قوله (وفي سائر النجاسات ثلاث روايات) وأطلقهن في المحرر، والكافي، والشرح، وابن منجا في شرحه. إحداهن: يجب غسلها سبعًا. وهي المذهب، وعليها جماهير الأصحاب… والرواية الثانية : يجب غسلها ثلاثًا، اختاره المصنف في العمدة، وابن عبدوس في تذكرته، وجزم به في الوجيز، والمنور، والمنتخب في غير محل الاستنجاء، وقدمه مطلقًا ابن تميم، والفائق، ومجمع البحرين، وقدمه في الاستنجاء في الرعاية الكبرى في بابه. والثالثة: تكاثر بالماء من غير عدد، اختاره المصنف في المغني، والشيخ تقي الدين، وقطع به في الطريق الأقرب، وعنه: لا يشترط العدد في البدن. ويجب في السبيلين، وفي غير البدن سبع. قال الخلال: وهي وهم. وعنه: يجب العدد إلا في الخارج من السبيلين».
(4) أخرجه ابن ماجه في كتاب «الطهارة وسننها» باب «الاستنجاء بالماء» حديث (356)، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (1/54) وقال: «هذا إسناد فيه زيد العمي وهو ضعيف».
(5) «المغني» لابن قدامة (1/106).