أرجو أن يَسَعَني صدرُكم وتفهم حالتي هذه:
أنا إمامُ مسجدٍ وواعظٌ وخطيبٌ من الطِّراز الأول في منطقتي ولا أُزكِّي على الله أحدًا، ومسجدي من أنشط المساجد دعوةً إلى الله وعلى منهج التوحيد والسنة والجماعة بإذن الله، واللهَ أسأل الاخلاصَ في هذا العمل وأن يجعل باطني خيرًا من ظاهري وأن يجعلَ ظاهري خيرًا.
والحمد لله عندي من العبادات والقيام والصيام وقراءة القرآن، وأنا الآن أحفظ قرابة 15 جزءًا من القرآن ومستمرٌّ بالحفظ وعملِ الخير ومساعدة النَّاس لأتقرب بكل ذلك إلى الله، ولساني عن الدُّعاء والاستغفار والأذكار لا يَفتُر بحمد الله تعالى. أسال اللهَ الثباتَ على ذلك. وهذا عُمُرُه قرابةُ خمسِ سنواتٍ.
ولدي زوجةٌ بفضل الله تعالى هبةٌ من الله وزيادة، والحقُّ تزوجتُها من دون رؤيتها يقينًا بالله أنه لن يُضيِّعَني، ولله الحمد والمنة فقد نلتُ منها أوصافَ حديث رسول الله: «تُنْكَحُ الْـمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ»(1). وقد نلتُها بحمد الله.
وأنا مَن بيدي بعد الله صناعةُ السعادة الزوجيَّة، وكثيرًا ما أتغاضى عن الزَّلَّة واللهَ أسأل أن أكونَ قائمًا بأمانةِ البيتِ والزوجةِ والأولاد، ورغم كلِّ ذلك إليكم العجب العجاب:
وأنا صغيرٌ تعرَّضتُ للاغتصاب الذَّكَريِّ ولا أعرف هل كان إيلاجًا أم على السطح فقط، ولكن هذا جعلني لوطيًّا بآخرين دون إيلاج حتى مضى من عمري 22 سنة، وكنت على مقاعد الشَّريعة الإسلامية، ناهيك عن الزِّنى التقاء الختانين دون إيلاجٍ والعادةُ السرية.
حتى تخرَّجتُ من الجامعة فبدأ التديُّنُ والحمد لله يَقْوَى يومًا بعد يومٍ، وتزوجتُ وقَوِيَ الإيمان، وتركتُ كثيرًا من المعاصي، وما سبق من أعمال الخير اعتبرتها استغفارًا وندمًا عن الأيَّام الخوالي الشَّيطانية، أسأل اللهَ أن يقبل توبتي ويغفر زلَّتي ويستر معايبي في الدنيا والآخرة.
وباختصارٍ شديد رغم ما أنا فيه بَقِيَتْ عندي معصيتان، الأولى: الأرجيلة (التدخين)، وكم جاهدت إلى الآن وبإلحاحٍ في الدعاء وثلاث عُمراتٍ لأتركها فإذا بي أعود إليها، ولا أحد يعلم من المحيط الذي أعيش فيه ولا حتى زوجتي التي تظنُّ أنني تركتها. هذه هي المعصية الأولى.
والمعصية الأخطر والأكبر هي شهوة النِّساء والبنات، وأقسم بالله العظيم أنني أبذل جهودًا كبيرة وأعاهد اللهَ وأدعو في عَتَمة الليل، وأفهم ماذا يعني إمام مسجد يُعلِّم النَّاسَ الخيرَ، وأفهم جرم المعصية التي أنا فيها من الحرش بالنِّساء بشكل خفيٍّ شيطانيٍّ لا يخفى على الله، وحتى وأنا في تلك اللحظة أُذكِّر نفسي بالله وبأخلاق إمام المسجد وبالفضيحة إن عَلِمَها النَّاسُ ثم بعد انتهاء هذه اللحظة التي لا تعدو دقائق أُسرع إلى الاستغفار والندم والدعاء طبقًا للحديث: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا» إلخ(2).
وأنا الآن في أخطر من ذلك، وهو أنني دُعيت لحلِّ مشكلةٍ بين زوجين في بداية زواجهم، البنتُ 18 سنةً والشابُّ واحدٌ وعشرون سنةً، وهما مُتزوِّجان منذ ثلاثة أشهر، وقد دعيت لأُذكِّرهم بالله والنصائحِ التي هي الحلُّ الشَّرعيُّ، ونحن الآن نتقدَّم في المشكلة الأخطر وهي أن الفتاةَ تعلَّقَتْ بي، وأَذْكُرُ أن شهوتي البناتُ فكيف وقد جاءتني الفتاةُ بنفسها وجلستُ في حلِّ المشكلة أنا وهي بمفردنا والشَّيطانُ ثالثُنا.
ورغم أحاديثِ القرآن والسُّنة ومخافة الله تعالى وتقواه إلا أنني ولأول مرة منذ عشر سنواتٍ تُمسك يدي يَدَها وأضعُهما في راحة يدي، وأعلم جُرْمَ المعصية.
وما حدث أن توافَقَتْ مع ذلك؛ قُمْتُ وحضنتُها ثلاثَ مراتٍ تحت ذريعة شيطانية ليكون دافعًا في متعة كلٍّ منا مع زوجِه كتخيُّل الآخر أثناء الجماع، وتابعتُ فتوى في حرمة ذلك، والآن أنا على اتِّفاقٍ معها في موعدٍ سِرِّيٍّ بعد أيامٍ لتأتي إلى بيتي في غياب زوجتي ودون ثقة زوجها في حضرتي الخبيثة ستأتي إليَّ ونفسي الخبيثة تقول: إنني سأُثبت لنفسي أنني من السَّبْعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه. وأنني على يقينٍ من أنني مهما بلغتُ في جرم هذه المعصية لن أرتكب الكبيرة.
وحتى ذلك الموعد أُذكِّر نفسي بالله وبالموت وبالفضيحة، وحتى بمحاولة أن تفضحني الفتاةُ نفسها إذا ما طلَّقها زوجُها؛ لأن أساسَ مشكلتهم أنه يعلم أنها تراسل شابًّا غيرَه، وبحكم دخولي في حلِّ المشكلة فقد عاهدتني على تَرْك مراسلته، مع إيضاحي لها جرمَ هذه العلاقة وخساسةَ ذلك الشابِّ.
ثم هأنذا أقع في نفس الفخِّ بل أَجْرَمُ من ذلك بكثيرٍ، شيخٌ يعلم الفتوى والجُرمَ ومُتزوِّجٌ، وشرطُها كي تبقى مع زوجها أن نظلَّ نجلس معًا أنا وهي على الأقل عدة جلسات عائلية نرى بعضَنا، حتى وصل الأمرُ بيني وبينها أن تدرس هي الشَّريعة وأقوم أنا بمساعدتها في شرح الدُّروس لنتواصل معًا.
ناهيكم عن الثقة التي بناها الجميعُ في شخصي من أنني شيخٌ من الطراز الأول في نظرهم.
وأفيدكم علمًا أنني أُمضي من العمر 29 سنةً هاتان هما معصيتي، ومن دونهما لا أدَّعي العصمةَ والكمال ولكن قد أكون قريبًا منهما، هذا هو الخطبُ الجلل الذي أنا واقعٌ فيه، وعلمي ويقيني في عِظَم ما أنا فيه أنني ضعيف جدًّا أمام شهوتي تجاه النِّساء، ورغم معاهداتٍ كثيرةٍ ألا أعودَ ومع ذلك أعود، ورغم أنني أُجامع زوجتي كلَّ يومٍ تقريبًا وأحيانًا مرتين وثلاثة، وأحيانًا قبل أن أخرج أجامعها حتى تقوى نفسي على مقاومة الشَّهَوات والفتن الخارجيَّة، ومع ذلك لم أستطع. ساعدوني، ابحثوا لي عن حلٍّ أنا متعبٌ جدًّا.
ـــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «الأكفاء في الدين» حديث (5090)، ومسلم في كتاب «الرضاع» باب «استحباب نكاح ذات الدين» حديث (1466) من حديث أبي هريرة .
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/8) حديث (47)، وأبو داود في كتاب «الصلاة» باب «في الاستغفار» حديث (1521)، والترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في الصلاة عند التوبة» حديث (406)، وابن ماجه في كتاب «إقامة الصلاة والسنة فيها» باب «ما جاء في أن الصلاة كفارة» حديث (1395) من حديث أبي بكر الصديق : أن رسول الله قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى لِذَلِكَ الذَّنْبِ إِلَّا غَفَرَ لَه» وقرأ هاتين الآيتين: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ الْآيَةَ، وقال الترمذي: «حديث حسن».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن القلمَ ليتحيَّر ماذا يكتب في الرَّدِّ عليك! أأُذكِّرك بنصوصٍ أنت تعلم أضعافَها! أم أُذكِّرك بفضائل أنت تعتلي المنابرَ وتدعو إلى أمثالها!
أنت تعلم يا بني أنه ما تَرَك نبيُّنا بعده فتنةً أضرَّ على الرِّجال من النِّساء(1)، وأنت تعلم أن أولَ فتنةِ بني إسرائيل كانت من النِّساء(2)، وما خبرُ ذلك العابد الذي حَمَله الشَّيطانُ على السُّكر والزِّنى والقتلِ ثم الكفرِ بالله في نهاية المطاف- بخافيةٍ على أمثالك(3).
فتجنَّبِ المواقفَ التي تُزيِّن لك الفاحشةَ، أنت بهذه الحالة لستَ الرَّجُل المناسبَ الذي يُستدعى لحلِّ المشكلات الزوجيَّة، فاعتَذِرْ عن ذلك، وامنع نفسَك منه بحزمٍ، وخُذْ من الحلال في باب النِّساء ما يكفيك لردِّ شهوتك ويُعينك على العفاف، وقد أحلَّ اللهُ النِّكاحَ مثنى وثلاث ورباع.
ثم الزَمْ بابَ الضَّرَاعةَ والاستكانةَ إلى ربِّك، وارفع إليه محنتَك، وأَنِخْ مطاياك بأبوابِه، وهو أرأفُ من مَلَكَ وأَكْرَمُ مَن سُئِل.
ونسأل اللهَ لك العزيمة على الرُّشْد والنَّجاة من الإثم. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «ما يتقى من شؤم المرأة» حديث (5096)، ومسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء» حديث (2741)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب «أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء» حديث (2742) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . بلفظ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ الله مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ».
(3) أخرجها الطبري في «تفسيره» (28/49) من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن راهبًا تعبَّد ستين سنة، وإن الشيطان أراده فأعياه، فعمد إلى امرأة فأجَنَّها ولها إخوة فقال لإخوتها: عليكم بهذا القس فيداويها، فجاءوا بها. قال: فداواها وكانت عنده، فبينما هو يومًا عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت، فعمد إليها فقتلها، فجاء إخوتها فقال الشيطان للراهب: أنا صاحبك، إنك أعييتني، أنا صنعت بك هذا فأطعني أُنجِك مما صنعتُ بك. اسجد لي سجدةً. فسجد له، فلما سجد له قال: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين. فذلك قوله: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾[الحشر: 16].