أنا فتاة متزوجة، ولكن أبي لا يلتزم بكل الصلوات، فهو فقط يصلي الفجر، ويصليها حتى قاعدًا بحجة أنه مريض أو تؤلمه قدماه، وهو مُقِرٌّ بكل الصلوات وبوجوبهن إلا أنه يتكاسل، وأيضًا أثناء الغضب يتكلم كلام كفر، لكنه يكون غاضبًا جدًّا، وحينها أيضًا يضربني ويضرب أمي ويكسر أثاث البيت، فهل تزويج أبي لي صحيح وأنا أعلم أنه مؤمن بالله وينوي الحج؟
فهل ما قاله من كلمات كفرية تجعله كافرًا رغم أنه يقولها في حالة غضب شديد جدًّا يكون به غير واعٍ بما يفعل؟
مع العلم أن أبي أجرى عملية جراحية في القلب بسبب شدة الغضب والتدخين، فتوقف عن التدخين من حينها، وهو يلتزم بصلاة الفجر وننصحه بالبقية، ويقول بأنه يتكاسل خلال يوم العمل ولا يقضيها. فهل أبي يكون كافرًا حين تزويجي؟
وهل يحاسب على كلماته الكفرية التي يقولها وهو غاضب؟ مع العلم بأنني غير متأكدة من أنه يستغفر بعدها أم لا؟
وهل يجب عليه أن يتشهد في كل مرة ينطق الكفر بها مع العلم أنه حين ينطق الكفر لا يكون ناويًا إياها بل يكون غاضبًا؟ وهل عدم التزامه بالصلاة تسقط ولايته عليَّ؟
أعمامي كلهم تاركون للصلاة كاملة إلا أبي فإنه فقط يصلي الفجر، والمحير أن فتاة أخبرتك بأن أباها لا يصلي أبدًا، فأنت أجبتها هكذا:
«فإذا كان والدك لا يصلي تمامًا ويسب الدين (والمسئولية عن هذا الادعاء تناط بك في باب الديانة) فَقَدْ فَقَدَ أهليته لك».
فهل هذا يدل على أنك ترى تارك الصلاة كافرًا مع أن الجمهور لا يكفر تارك الصلاة تكاسلًا؟ أم أنك أعطيت لتلك الفتاة الرأي الآخر رخصة شرعية لها لأنها في مشاكل مع أبيها؟
وهل ما ذكرته أعلاه من موقف أبي بأنه يكفر حين غضبه الشديد الذي أجرى عملية بالقلب لشدة غضبه يكون كافرًا ما دام لم ينوِ؟ فأنا أعلم أن المرتد يكون مرتدًّا إن نوى في قلبه الارتداد وصدق بما يكفر به، أما إذا كان غاضبًا أو تلك عادة سيئة له فهل يكون كافرًا دون نية بما يكفر لفظًا؟ وهل تزويج أبي لي صحيح وهو بهذه الحال؟
مع العلم بأنني لا أعلم إن كان تاب؛ لكن بالتأكيد قد استغفر وهو يصلي الفجر، ولابد بأنه استشهد في الصلاة، فهل يعود بذلك للإسلام؟ لا أفهم ما الوضع، أرجوك أفتني في أمري.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذه الرسالة تدلُّ على أن البدايات الخطأ في القراءة أو التدين لابد أن تُفضي إلى مثل هذه الحيرة والتخبطات.
مثلك يا بنيتي إذا نزلت به نازلة، يرفعها إلى من يثق في دينه وتقواه، ثم يصدر عن فتواه، ولا شأن له بقياس حالته على حالات الآخرين، فإن هذا له أهلية خاصة لا يملكها مثلك.
وسأدلل لك على ذلك بمثال صغير: لقد كانت الفتوى التي أصابتك بالحيرة والدهشة في رجل لا يصلي تمامًا ويسب الدين، وحالة والدك ليست كذلك، تقولين إنه يصلي الفجر ويتكاسل عن بقية الصلوات، ويفرق بعض أهل العلم بين الترك المطلق ومطلق الترك، فمن كان لا يركع لله ركعة، ولا يسجد له سجدة، ذهب كثير من أهل العلم إلى خروجه من الملة، بخلاف من كان يصلي حينًا ويترك حينًا، فهذا يعتبرونه من أصحاب الوعيد، ولا يزال عندهم من أهل القبلة، فهو في خطر المشيئة: إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له، ولم يقضوا بكفره، فكان القياس مع الفارق.
ومن ناحية أخرى فإن باب إسقاط الولاية أوسع من باب التكفير، فقد تسقط الولاية لمجرد العضل بغير حق، وإن كان صاحبَ دِينٍ وخُلُق.
والخلاصة: لا تقيسي حالتك على حالات أخرى لمجرد التشابه الظاهري في بعض الأمور، لا تنصبي من نفسك مُفتِيَة، بل استفتي من تثقين في علمه ودينه، وفوضي إليه الأمر في ذلك.
ويحسن تجنب مواقع الفتوى التي تكثر الأسئلة فيها عن الطلاق، اللهم إلا عند الاستفتاء، حتى لا تشوش عليك، وقد امتنعنا عن النشر في حالات الطلاق لما كثرت الأسئلة من قبل الموسوسين، تفاديًا لنقل عدوى الوسوسة إلى الآخرين.
وبعد هذا فرسالتك شابتها بعض الأغلاط التي تظنينها من المسلَّمَات، ومن ذلك قولك «أعلم أن المرتد يكون مرتدًّا إن نوى في قلبه الارتداد وصدق بما يكفر به» ولا أدري من أين جاءك هذه العلم؟! إذ لا ينوي الكفرَ أحدٌ إلا من شاء الله، إن كبار العلمانيين والزنادقة يُدافعون عن باطلهم، ولا يرونه كفرًا وهم يتمرَّغون في أوحال الكفر والزندقة.
إن من الشيعة من يقذف عائشة الصديقة بنت الصديق بما برأها الله منه، ويرى أنه بهذا يدافع عن صحيح الدين، ولم ينوِ الكفرَ بقلبه ولا صدق أنه كافر، بل يرى نفسه من أتباع آل البيت، ومن شيعة علي والحسين، بل ويكفِّر المخالف له من أهل السنة!
وإن منهم من يقول بتحريف القرآن الكريم، وكتب بعضهم كتابًا سماه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب»، وهو عند نفسه لا يزال يُدافع عن صحيح الدين ويعتقد أنه من أتباع آل البيت، ومن شيعة علي والحسين!
والخلاصة: تزويجُ أبيك لك صحيحٌ، ما دام قد وقَع، فإن الأصل حملُ العقود على الصحَّة ما أمكن.
وقضيتك تختلف عن قضية صاحبة الفتوى المشار إليها، فاحمدي الله على العافية، ولا تفتحي على نفسك أمواجًا من الشكوك فتغرقين في لُجَجها، ولا تفتحي عليك محرقة الوساوس فيصيبك شواظها، ويحرقك سعيرها، وابحثي عن مجالات أخرى للتعلم والتدين، وأسأل الله لي ولك التوفيق. والله تعالى أعلى وأعلم.