هل لرجال تأخروا عن الجماعة في المسجد ووجدوا الناس قد صلوا أن يصلوا في المسجد جماعة أخرى أو لا؟ أم ينهى عن هذا لقول ابن مسعود رضي الله عنه، أو غيره: كنا إذا فاتتنا الجماعة أو انتهت الجماعة صلينا فرادى. أو كما قال رضي الله عنه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لقد عرض هذا السؤال على اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية فأفادت بأن من جاء إلى المسجد فوجد الجماعة قد صلوا بإمام راتب أو غير راتب فليصلها جماعة مع مثله ممن فاتتهم الجماعة، أو يتصدق عليه بالصلاة معه بعض من قد صلى؛ لما روى أحمد في «مسنده» وأبو داود في «سننه» عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلًا يصلي وحده فقال: «أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ». فقام رجل فصلى معه، ورواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟» فقام رجل فصلى معه(1).
قال أبو عيسى الترمذي: وهو قول غير واحد من الصحابة والتابعين، قالوا: لا بأس أن يصلي القوم في جماعة في مسجد قد صلى فيه جماعة، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال آخرون: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان وابن المبارك، ومالك والشافعي يختارون الصلاة فرادى(2).
وإنما كره هؤلاء ومن وافقهم ذلك خشية الفرقة، وتوليد الأحقاد، وأن يتخذ أهل الأهواء من ذلك ذريعة إلى التأخر عن الجماعة ليصلوا جماعة أخرى خلف إمام يوافقهم على نحلتهم وبدعتهم، فسدًّا لباب الفرقة وقضاء على مقاصد أهل الأهواء السيئة هو ألا تصلى فريضة في جماعة في مسجد بعد أن صلت فيه جماعة بإمام راتب أو مطلقًا.
والقول الأول هو الصحيح، لما تقدم من الحديث لعموم قوله تعالى:﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، وقوله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
ولا شك أن الجماعة مِن تقوى الله ومما أمرت بها الشريعة، فينبغي الحرص عليها على قدر المستطاع، وما نقل عن أهل العلم من كراهة تكرار الجماعة يخرج على مقتضيات زمانهم رحمهم الله، فإنهم ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه كما سبق خشية الفرقة، وتوليد الأحقاد، وأن يتخذ أهل الأهواء من ذلك ذريعة إلى التأخر عن الجماعة ليصلوا جماعة أخرى خلف إمام يوافقهم على نحلتهم وبدعتهم، فلهم عذرهم واجتهادهم وأجرهم إن شاء الله، وهذه العلة وقد تعافى منها أهل زماننا، لذلك ينبغى أن يتغير الحكم إلى الجواز، والظن بهم أنهم لو أدركوا زماننا ورأوا تغيُّر الحال لتغير اجتهادهم، فهم حملة الشريعة وحراسها.
ويبقى أن الأصل هو العمل بما دلت عليه النقول الصحيحة، فإن عرف عن أحد أو جماعة تأخر لإهمال وتكرر ذلك منهم أو عرف من سيماهم ونحلتهم أنهم يتأخرون ليصلوا مع أمثالهم، عزروا وأخذ على أيديهم بما يراه ولي الأمر ردعًا لهم ولأمثالهم من أهل الأهواء، وبذلك يسد باب الفرقة ويقضى على أغراض أهل الأهواء، دون ترك العمل بالأدلة التي دلت على الصلاة جماعة لمن فاتتهم الجماعة أولى. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في كتاب «الصلاة» باب «ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرة» حديث (220) وقال: «حديث حسن»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (574).
(2) انظر «سنن الترمذي» (1/430) .