بِمَ تكون البداءة: بتحية المسجد أم بالسلام على مَن فيه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإنه يُشرع البدء بتحية المسجد؛ لأنها حقُّ لله تعالى، ثم يُثني بعد ذلك بالسلام على من في المسجد؛ لأنه حقُّ الخلق، وحقُّ الله في مثل ذلك مُقدَّم على حقِّ العباد.
ومن الأدلة على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجلٌ فصلى ثم جاء فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فردَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق فما أُحسِنُ غيره، فعلِّمني. الحديث(1).
فأنكر عليه صلاته، ولم يُنكر عليه تأخير السلام عليه صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الصلاة.
وعلى هذا فيُسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مترتبة: أن يقول عند دخوله بسم الله والصلاة على رسول الله، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يسلم على القوم.
كما ذكر ذلك ابن القيم في «زاد المعاد»، قال: «ومِن هَدْيه صلى الله عليه وسلم : أن الداخل إلى المسجد يبتدئُ بركعتين تحية المسجد، ثم يجئُ فيسلم على القوم، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله، فإن تلك حقُّ الله تعالى، والسلام على الخلق هو حقٌّ لهم، وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم، بخلاف الحقوق المالية، فإن فيها نزاعًا معروفًا، والفرق بينهما: حاجة الآدمي، وعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين، بخلاف السلام. وكانت عادة القوم معه هكذا: يدخل أحدهم المسجد فيصلي ركعتين، ثم يجيء فيسلم على النبي ﷺ». اهـ(2). والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأذان» باب «وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات» حديث (757)، ومسلم في كتاب «الصلاة» باب «وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها» حديث (397)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) «زاد المعاد» (2/413).