أحاول في هذه الأيَّام القيامَ لقيامِ الليل، وأضبط المنبه وأقوم على صوته، مع أنني لا أعرف ما إذا كان الوقتُ الذي أضبطه فيه صحيحًا أم لا، ولكني البارحة صَحَوْتُ على صوت المنبه كالعادة، فحصل لي خمولٌ شديد ولم أقم للتوضُّؤ والصَّلاة، فقلت في نفسي: أرقد في فراشي القليل من الوقت ومن ثم أقوم لصلاة الفجر.
ولكن غلب عليَّ النَّوْم ولم أستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، وأظن أن هذا عقابٌ من الله تعالى؛ لأنني لم أقم لأداء صلاة الليل. فهل يُعتبر هذا نقضًا لعهدٍ مع الله؟ وهل عليَّ إثم؟ وإذا كان كذلك فماذا أفعل لكي أكفر عن خطيئتي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فجزاك اللهُ خيرًا على حرصك وتحرِّيك لقيام الليل، وقد رُفع القلم عن ثلاث، ومنهم النائم حتى يستيقظ(1)، فمن اتَّخذ العدة وضبط المنبه ثم لم يقم لخمولٍ اعتراه فإذا كان ذلك في قيامٍ لنافلة فأرجو ألا حرج، وإن كانت رتبته تنحطُّ بذلك عن رتبة مَن وُفِّقوا لأداء هذه الشعيرة، وأما إن كان في القيام لفريضةٍ كصلاة الصبح مثلًا فإنه تفريطٌ يقتضي الاستغفارَ والتَّوْبة، وربُّك يقبل التَّوْبةَ عن عباده ويعفو عن السَّيِّئات.
ومجرد الفتور أو الكسل عن القيام لناشئة الليل ليس هو ذلك النقض للعهد الذي يستوجب العقوبة، وإنما هو من قبيل العوارض البشريَّة التي لا ينفكُّ عنها أحدٌ؛ فجَدِّد العزمَ واشحذ الهمَّة، وشَمِّر عن ساعد الجِدِّ. ونسأل اللهَ لك التَّوفيق والعون، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
____________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/101) حديث (24747)، وأبو داود في كتاب «الحدود» باب «في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا» حديث (4398)، والنسائي في كتاب «الطلاق» باب «من لا يقع طلاقه من الأزواج» حديث (3432)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «طلاق المعتوه والصغير النائم» حديث (2041)، والحاكم في «مستدركه» (2/67) حديث (2350)، من حديث عائشة ل بلفظ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْـمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (1/91- 92) وقال: «قال صاحب الإمام: هو أقوى إسنادًا».