ما حكم من سرقت منه الزكاة قبل تسليمها إلى الفقير؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن كان قد سلمها إلى جمعيات خيرية انتصبت لتقبل الزكاة وتسليمها إلى الفقراء فلا يضمن؛ لأن هذه الجمعيات نائبة عن الفقراء ووكيلة عنهم في تلقي هذه الزكوات وتوزيعها بينهم، ولا تضمن كذلك هذه الجمعيات إلا إذا كانت قد قصرت في حفظ المال أو تعدت في استعماله.
أما إذا كان قد عزلها من ماله ولما يسلمها، أو سلمها إلى وكيله الخاص ليتولى توزيعها بين الفقراء والمساكين، ثم سرقت من هذا الوكيل، فهذا من مواضع النظر بين أهل العلم: فالمالكية والشافعية(1) على عدم الضمان إلا بالتفريط أو التعدي، والأحناف(2) والحنابلة على الضمان.
ففي «المدونة»: «وقال مالك في الرجل يُخرج زكاةَ ماله عند محلها ليفرقها فتضيع منه: إنه إن لم يفرط فلا شيء عليه»(3).
وفيها أيضًا: «قال ابن القاسم: من أخرج زكاة الفطر عند محلها فضاعت منه، رأيت ألا شيء عليه، وزكاة الأموال وزكاة الفطر عندنا بهذه المنزلة، إذا أخرجها عند محلها فضاعت أنه لا شيء عليه»(4).
وقال ابن مفلح في «الفروع»: «ومن أخرج زكاةً فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه بدلها»(5).
ونرى أن ما ذهب إليه الحنابلة والأحناف أحوط، بل أظهر وأرجح.
أرأيت لو كان عليك دين ولم تسلمه إلى صاحبه وسرق منك أو من وكيلك أو تلف، هل كانت ذمتك تبرأ بذلك؟ ما علاقة الدائن بهذه النازلة؟
إن العقل والنقل يؤكدان أن الذمة لا تبرأ إلا بالوفاء بالدين لمستحقه، أو بالإبراء من قبله، ومثل ذلك يقال في حق الله ، فدَيْن الله أحق أن يقضى(6).
فنرجح الأخذ بقول الأحناف والحنابلة لقوة مدركه من ناحية، واحتياطًا للدين واستبراء للذمم من ناحية أخرى. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) جاء في «تحفة المحتاج» (3/364-365): «( ولو تلف ) المال ( قبل التمكن ) بلا تفريط سواء أكان تلفه بعد الحول أم قبله ولهذا أطلق هنا وقيد في الإتلاف ببعد الحول ( فلا ) يلزمه الإخراج لعدم تقصيره مع أن التمكن شرط في الضمان ( ولو تلف بعضه ) أي النصاب بعد الحول وكأنه استغنى عن ذكره هنا بذكره فيما بعد وقبل التمكن بلا تفريط ( فالأظهر أنه يغرم قسط ما بقي ) فإذا تلف واحد من خمسة أبعرة وجب أربعة أخماس شاة أما لو تلف زائدا عليه كأربعة من تسعة ففيه خلاف والأصح أنه تجب شاة أيضا بناء على أنه شرط للضمان وأن الوقص عفو على أن المتن قد يصدق بهذه ؛ لأن الشاة قسط الخمسة الباقية بمعنى أنها واجبها ( وإن أتلفه ) أي المالك ولو نحو صبي ومجنون كما هو ظاهر أو قصر في دفع متلف عنه كأن وضعه في غير حرزه ( بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط الزكاة ) لتعديه».
(2) ##.
(3) «المدونة» (1/380-381).
(4) «المدونة» (1/392-393).
(5) «الفروع» (2/570-571).
(6) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الصوم» باب «من مات وعليه صوم» حديث (1953)، ومسلم في كتاب «الصيام» باب «قضاء الصيام عن الميت» حديث (1148)، من حديث ابن عباس: أن امرأة أتت رسول الله ﷺ فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر. فقال: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟» قالت: نعم. قال: «فَدَيْنُ الله أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ».