أنا رجل متزوج، وأعطي زوجتي مصروفًا شهريًّا للإنفاق على البيت، هل من حقها أن تنفق منه على أوجه أخرى بدون علم الزوج؟ مثل الصدقات مثلًا؟
علمًا بأنني لم أمنعها يومًا من ذلك، بل قلت لها: يجب أن يعلم الزوج فيم أنفقتي فقط. ولكن هي تعترض وتقول: ليس من حقك أن أعلمك.
هل هذا يجوز بدون علم الزوج؟ وأنا لم أعترض، ولكن المفروض أن يكون بعلمي، فهل هذا يجوز شرعًا؟ جزاك الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل أن مالَ الزوج للزوج، وليس لأحد غيره أن يتصرف فيه إلا بإذنه؛ فإن أذن لها إذنًا قوليًّا صريحًا أو إذنًا عُرفيًّا بأن جرت العادة على التغافر في مثل ذلك، كما يترافق الناس بالأشياء اليسيرة، أو علمت من حاله أنه يقر ذلك ولا يعترض عليه، جاز لها ذلك.
وفي الباب حديث عائشة ل قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا أَنْفَقَتِ الْـمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَـهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلَـهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»(1).
وحديث أسماء: أنها جاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ليس لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير، فهل عليَّ جناح أن أُرضِخ مما يُدخل عليَّ؟ فقال: «ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ»(2). والرضخ: هو العطاء. وفي رواية للبخاري: قال: «تَصَدَّقِي»(3).
أما إذا منعها زوجها منعًا صريحًا، أو كانت تعلم أنه لا يرضى بهذا فلا يجوز لها حينئذٍ الصدقة من ماله بشيء.
وقد سئلت اللجنة الدائمة ببلاد الحرمين: عن امرأةٍ تتصدق من مال زوجها بدون إذنه؟ فأجابت:
الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذنٍ منه، إلا ما كان يسيرًا قد جرت العادة به، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسيرٍ لا يضرُّ زوجها. والأجر بينهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم … ثم ذكرت حديث عائشة المتقدم. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين :: هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها؟ فأجاب: من المعلوم أن مال الزوج للزوج، ولا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد إلا بإذنه، فإذا أذن الزوج لها أن تتصدق به لنفسها أو لمن شاءت من أمواتها فلا حرج عليها، فإن لم يأذن فإنه لا يحل لها أن تتصدق بشيء؛ لأنه ماله، و«لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(4). اهـ. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه» حديث (1425)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة بإذنه الصريح أو العرفي» حديث (1024).
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «الصدقة فما استطاع» حديث (1434)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «الحث على الإنفاق وكراهة الإحصاء» حديث (1029).
(3) أخرجه البخاري في كتاب «الهبة وفضلها والتحريض عليها» باب «هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم» حديث (2590).
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 72) حديث (20714)، وأبو يعلى في «مسنده» (3/ 140) حديث (1570) من حديث عم أبي حرة الرقاشي رضي الله عنه ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 265 – 266) وقال: «رواه أحمد وأبو حرة الرقاشي وثقه أبو داود وضعفه ابن معين وفيه علي بن زيد وفيه كلام».