لي صديقٌ مُعتقَلٌ في سجون الاحتلال الإسرائيليِّ الغاشم، فهل يجوز لي أداءُ الحج عنه هذا العام أم لا؟ وهل يتوجَّب طلبُ الإذن منه قبل ذلك؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ في الحجِّ أنه عبادةٌ شخصية، يؤدِّيها الإنسانُ بنفسه، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، ولكن اللهَ تعالى فضلًا منه وكرمًا ورحمةً رخَّص في بعض العبادات أن يؤدِّيَها عنه غيرُه في حالاتٍ معينة، كمن سبق إلى لقاء ربِّه ولم يكن قد أدَّى فريضةَ الحجِّ، وكالمريض مرضًا مُزمنًا لا يُرجى له برءٌ ولا يتمكَّن معه من السفر، فيجوز أن يَحُجَّ عن هؤلاء من سبق له الحجُّ عن نفسه، سواءٌ عليه أتطوَّع بالحجِّ أم بُذلت له في ذلك النفقةُ.
وفي الباب حديثٌ عن عبد الله بن عبَّاسٍ ‏ ب قال: ‏كان ‏الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبيِّ ﷺ، فجاءتِ امرأةٌ من خَثْعَمَ فجَعَلَ الفَضْلُ يَنظُر إليها وتَنظُر إليه، فجعل النَّبيُّ ﷺ يَصرِف وَجْهَ الفضلِ إلى الشِّقِّ الآخر، فقالت:‏ إن فريضةَ الله أَدْرَكَتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يَثْبُتُ على الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عنه؟ قال: «نَعَمْ». وذلك في حَجَّةِ الوَدَاعِ(1).
ولا أرى الأسيرَ واحدًا من هؤلاء، فما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتها يُغيِّر اللهُ من حالٍ إلى حال، اللهمَّ إلا مَن صَدَر عليه حكمٌ قضائيٌّ بات بالسجن مدى الحياة، فهذا الذي يُمكن قياسُه على المريض الذي لا يُرجى له برءٌ.
فإن كان له مال يمكنه من أن يُوكل غيره في الحج عنه لزمه ذلك، فإنه وإن كان عاجزًا بنفسه فهو مستطيع بماله؛ وفي الباب ما رواه أبو رزين رضي الله عنه  أنه قال: يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظَّعن. قال : «احْجُجْ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ»(2). وفي هذه الحالة ينبغي إعلامه ممن تطوع بالحج عنه ليُحدث نية التوكيل في أداء هذا النسك. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

_________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الحج» باب «حج المرأة عن الرجل» حديث (1855)، ومسلم في كتاب «الحج» باب « باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت» حديث (1334).

(2) أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك» باب «الرجل يحج عن غيره» حديث (1810)، والترمذي في كتاب «الحج» باب  حديث (930)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».