أريد دليلًا من الكتاب والسنة عن الحداد على الشهداء؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذا الوقوف المذكور من البِدع الوافدة، وهي بدعة منبتَّة الصلة بتراثنا الديني أو الثقافي، والأصل أن «كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، وأن على الأمة أن تحتفظ بتميزها الديني والثقافي والحضاري، وأن تتجاوز مرحلةَ الاستخزاء الحضاري التي مُنيت بها أو فرضت عليها في ظل سنوات القهر والتبعية، فإن «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(1).
فقد سُئلت اللجنةُ الدائمةُ للإفتاء ببلاد الحرمين هذا السؤال: هل يجوز وقوف دقيقة مثلًا مع الصمت تحية للشهداء، حيث إنه عندما تبدأ حفلة معينة يقف الناس دقيقة مع الصمت حدادًا أو تشريفًا لأرواح الشهداء؟ فأجابت بما يلي:
ما يفعله بعض الناس من الوقوف زمنًا مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء أو تشريفًا وتكريمًا لأرواحهم وحدادًا عليهم من المنكرات والبدع المحدثة، التي لم تكن في عهد النبي ﷺ، ولا في عهد أصحابه ولا السلف الصالح، ولا تتفق مع آداب التوحيد وإخلاص التعظيم لله، بل اتبع فيها بعض جهلة المسلمين بدينهم من ابتدعها من الكفار، وقلَّدوهم في عاداتهم القبيحة وغلوِّهم في رؤسائهم ووجهائهم أحياء وأمواتًا، وقد نهى النبي ﷺ عن التشبه بهم(2).
والذي عرف في الإسلام من حقوق أهله: الدعاء لأموات المسلمين، والصدقة عنهم، وذكر محاسنهم، والكف عن مساويهم. إلى كثير من الآداب التي بَيَّنها الإسلامُ وحث المسلمَ على مراعاتها مع إخوانه أحياءً وأمواتًا، وليس منها الوقوف حدادًا مع الصمت تحيةً للشهداء أو الوجهاء، بل هذا مما تأباه أصول الإسلام. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هذا هو الأصل في هذه المسألة، ولكن قد يقتضي التدرج في التغيير، والحكمة في استصلاح الأحوال، الصبر على مثل ذلك؛ تألفًا لقلوب أصحابه، إلى أن يتبين لهم الحقُّ، وتتضح لهم السنة؛ فقد يؤدي التغيير المفاجئ وقد درج عليه الناس زمنًا طويلًا إلى كثيرٍ من المفاسد التي تُعَدَّ أسخط لله وأبغض إليه من هذا الحداد. والله تعالى أعلى وأعلم. ________________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في لبس الشهرة» حديث (4031) من حديث ابن عمر ب، وذكره الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/217) وقال: «أبو داود من حديث ابن عمر بسند صحيح». وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (4347).
(2) والأدلة على ذلك كثيرة:
منها أمرُه ﷺ تغيير الشيب مخالفة لليهود؛ فقد أخرج البخاري في كتاب «اللباس» باب «الخضاب» حديث (5899)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «في مخالفة اليهود في الصبغ» حديث (2103) من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ». والترمذي في كتاب «اللباس» باب «ما جاء في الخضاب» حديث (1752) بلفظ: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وقال: «حسن صحيح».
ومنها أمره بإعفاء اللحى وإحفاء الشوارب مخالفة للمشركين والمجوس، ففي الحديث المتفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «تقليم الأظفار» حديث (5892)، ومسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (259) من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «خَالِفُوا الـْمشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى». وأخرجه مسلم في كتاب «الطهارة» باب «خصال الفطرة» حديث (260) من حديث أبي هريرة بلفظ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْـمَجُوسَ».
ومنها أمره بالسحور وتعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب، فقد أخرج أبو داود في كتاب «الصوم» باب «ما يستحب من تعجيل الفطر» حديث (2353) من حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (1995).
وقد بيَّن النبي ﷺ أن من تشبَّه بقوم فهو منهم؛ فقد أخرج أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في لبس الشهرة» حديث (4031) من حديث ابن عمر، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، وذكره الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (1/217) وقال: «أبو داود من حديث ابن عمر بسند صحيح». وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (4347).