السؤال
أنا أحضر رسالة الدكتوراه في إحدى جامعات الولايات المتحدة، مع اقتراب التدخُّل العسكري من أمريكا على المسلمين في سوريا والعراق, هل عليَّ حرج في المكوث في الولايات المتحدة؟ خاصة مع غالبية تأييد معظم الأنظمة العربية لهذا العدوان واحتمالية مشاركتهم فيه؟ ما يشغلني هو مثلًا الضرائب التي أدفعها هل آثمُ عليها؟
جزاك الله خيرًا ورفع الله عنا بأسهم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلقد ناقش مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في دورة انعقاد مؤتمره الثالث مسألةَ إقامة المسلم خارجَ ديار الإسلام، وأكد قراره فيها على أن الأصل أن يُقيم المسلم داخل ديار الإسلام تجنبًا للفتنة في الدين، وتحقيقًا للتناصُر بين المؤمنين، وأنه لا تحلُّ له مفارقتها إلا بنيَّة حسنةٍ كطلب العلم أو السعي للرزق أو الفرار بالدين ونحوه؛ شريطة أن يكون قادرًا على إظهار دينه وآمنًا من الفتنة فيه، مع استصحاب قصدِ العودة متى امتهد له سبيل إلى ذلك.
وأنَّ على مسلمي البلاد غير الإسلامية التشبثَ بالإقامة في تلك البلاد، وإظهارَ ما يمكنهم إظهاره من شعائر الإسلام، والصبر على ما يصيبهم من بلاءٍ باعتبارهم النواةَ الأساسية الأقدرَ على توطين الإسلام في هذه المجتمعات.
كما أكَّد المجمع على تفاوت حُكم الإقامة خارجَ ديار الإسلام بالنسبة للجاليات الإسلامية بحسب الأحوال؛ فتشرع لمن كان قادرًا على إظهار دينه وآمنًا من أن يُفتن فيه، هو أو من جعلهم الله تحت ولايته. وتجبُ في حقِّ من تعيَّنت إقامتُه لتعليم الإسلام، ورعاية أبنائه، ودفع شبهات خصومه. وتحرم في حقِّ من غلب على ظنِّه أن يُفتن هو أو من يعول في دينه، وحيل بينه وبين إقامة شعائر ربه.
وهكذا ترى أن الأمرَ متفاوت، وأن الناس في ذلك ليسوا سواءً.
وفي ضوء ما سبق من تفصيل تستطيع أن تعرف أين أنت في هذه الإقامة من حيث الشرعية وعدمها، ويلزمك مراجعة ذلك كل فترة، وتبني الأمور في مثل ذلك على غلبة الظن، بعد الجمع بين الاستشارة والاستخارة، وكل منا أدرَى بحاله، ولله واعظ في قلبِ كلِّ مؤمن، والمرء أمين على دينه.
فمن لم يُتح له في إقامته في هذه البلاد أن يعيشَ في كنف جاليةٍ مسلمة ملتزمة بدينها، وجادة في إقامة شعائره وشرائعه، ولم يتمكن من تزويد أولادِه بما يلزمه من علمٍ وتزكية للمحافظة على دينهم- فينبغي لمثله أن يُبادر إلى البحث عن مخرج، وإن لم تتيسر له العودة إلى بلدٍ إسلامي فليتحول إلى جاليةٍ أخرى وولاية أخرى يكون فيها أقدرَ على تحقيق هذه المقاصد.
ويقيننا أن أرض الله لم تضق على عبادة الله؛ فقد قال تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)} [العنكبوت: 56]. وأن من كان جادًّا في طلب ذلك فإن الله سَيُيَسِّر له أسبابه، ويذلل له صعابه. والله تعالى أعلى وأعلم.