سؤالي يا شيخنا عن الآية رقم (234) في سورة «البقرة» حيث قرأت أنها نسخت الآية (240) فكيف تنسخها وهي متقدمة عليها؟
الآية المنسوخة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 240].
الآية الناسخة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 234].
والمعلوم عندي أن الناسخ يأتي ترتيبه بعد المنسوخ، أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أولًا: ما يتعلق بنسخ الآية رقم (234) للآية رقم (240) من سورة البقرة، فمما جاء في تفسير الشيخ السعدي : ما يلي:
«قال تعالى‏:‏ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 240] أي‏: ‏الأزواج الذين يموتون ويتركون خلفهم أزواجًا فعليهم أن يوصوا وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 240] أي‏:‏ يوصون أن يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها فَإِنْ خَرَجْنَ من أنفسهن فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أيها الأولياء فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أي‏: من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك، وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله‏: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 234].
وقيل: لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلًا لحق الزوج، ومراعاةً للزوجة، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجُناحَ عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول، فلو كان لزوم المسكن واجبًا لم ينفِ الحرجَ عنهم‏».‏
ثانيًا: ما يتعلق بكون الناسخ جاء ترتيبه في المصحف (لا في النزول) قبل المنسوخ، فإليك أخي السائل اللبيب بعض ما جاء في تفسير القرطبي «الجامع لأحكام القرآن» في تفسير الآية رقم (52) من سورة «الأحزاب» فهو مفيد فيما سألت عنه:
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب: 52] اختلف العلماء في تأويل قوله: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ على أقوال سبعة:
الأول: أنها منسوخة بالسنة، والناسخ لها حديث عائشة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء. وقد تقدم.
الثاني: أنها منسوخة بآية أخرى، روى الطحاوي عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء، إلا ذات محرم، وذلك قوله عز وجل: ۞ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب: 51].
قال النحاس: «وهذا- والله أعلم- أولى ما قيل في الآية، وهو وقول عائشة واحد في النسخ. وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن. وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك. وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال: محال أن تنسخ هذه الآية يعني: ۞ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب: 52]، وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون، ورجح قول من قال نسخت بالسنة…
1113. قال النحاس: وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالط، لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة، كما صح عن ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان. ويبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 240] منسوخة على قول أهل التأويل- لا نعلم بينهم خلافًا- بالآية التي قبلها: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 234]». والله تعالى أعلى وأعلم.