نحن مدرسة إسلامية في الولايات المتحدة، نُدرِّس المواد الأساسية بالإضافة للتربية الإسلامية والقرآن واللغة العربية للطلاب حتى الصف الثامن.
الطالبات يلتزمن بالحجاب، خصوصًا في الصفوف من الرابع وحتى الثامن، ولا يجلسن بجوار الأولاد، وعدد الطلاب قليل بحيث يصعب فصل الأولاد عن البنات.
بعض الأهالي يطالب بفصل الأولاد عن البنات، ونريد من فضيلتكم الحكم الشرعي لفصل الجنسين وأية ضوابط أو اقتراحات؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد ناقش مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في دورة انعقاد مؤتمره السنوي السادس بمونتريال بكندا قضية الاختلاط بين الجنسين في جملة ما ناقشه من نوازل الناشئة خارج ديار الإسلام، ومما قرره في هذا الشأن ما يلي:
أولًا: حول الاختلاط بين الرجال والنساء:
* الاختلاط تعبير مجمل، منه ما يَحِلُّ ومنه ما يَحرُم، ومن هذا وذاك ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه.
* فإن قُصِد به مجرد اجتماع الرجال والنساء في أماكن مفتوحة لأداء عمل مشترك دينيٍّا كان أو دنيويًّا، ورُوعيت فيه الآداب الشرعية من الحجاب وغضِّ البصر ونحوه، ورُتِّب المجلس بما يُعين على ذلك، فلا حرج فيه، ومن ذلك اجتماع الرجال والنساء في الخلاء لشهود العيدين، وحول المشاعر في الحج، وفي مجالس العلم المفتوحة، سواء أكان ذلك في المسجد أم في غيره، وخروج النساء لقضاء حوائجهن في مجامع الناس، مع ملاحظة التزام النساء بالحجاب وكونهن متباعدات عن الرجال ما أمكن، والتزام الفريقين بالصيانة وغضِّ البصر، ومع التأكيد على أهمية الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية، فإن هذا أحفظُ للقيم وأبعد للفتن وأقطع للذرائع وأدعى إلى اجتماع الذهن على طلب العلم، وقد بدأت تتنبه إلى ذلك بعض المؤسسات التعليمية في المجتمعات الغربية.
* أما إن قصد به اختلاط الفريقين وتخلُّل صفوفهما فذلك على أصل المنع، ما لم تدعُ إليه ضرورة أو شدة حاجة شرعية معتبرة، ومن الحاجات ما هو منصوص عليه، ومنها ما هو مَقِيسٌ عليها، ومن ذلك ما يكون في الحروب أو التقاضي أو التطبيب ونحوه، مع ملاحظة أن الضرورات والحاجات تقدر بقدرها.
* ومتى كان الاختلاط مباحًا لضرورة أو لحاجة معتبرة، فإن هناك ضوابط ينبغي أن تُراعى في كل أحواله، ومنها: غض البصر، وتجنب الفحش والعبث، وتحريم الخلوة وتلامس الأبدان، ومنع التزاحم، والالتزام بالصيانة وستر العورات، وأن ترتب المجالس بما يُعين على غضِّ البصر ما أمكن.
* ولا يندرج فيما يُسوَّغ من المصالح والحاجات فرض الفتيات في المحافل العامة كمقدمات للبرامج أو مستقبلات للضيوف ونحوه، وفي المجلس من الشباب من يستطيعون أن يؤدوا هذه الأعمال بنفس المهنية والاقتدار.
* ولا يندرج فيما يسوغ من المصالح والحاجات جمع العوائل والأسر على موائد مشتركة مختلطة بمناسبة القيام ببعض الأنشطة الاجتماعية كجمع التبرعات أو وليمة عرس ونحوه.
* وهناك عوامل تؤثر في هذا الباب تضييقًا وتوسيعًا، فإن الذي يظهر من النظر في النصوص وعمل السلف أن أمر الاختلاط يختلف بحسب أعمار الرجال والنساء، والحاجة الداعية إليه، والمناخ الذي يوجد فيه من حيث وجود الفتنة وعدمها، والضابط في ذلك هو الموازنة بين المصالح والمفاسد، وعلى المكلف في هذه الحالات أن يستفتي أهل العلم في الواقعة المعينة وأن يصدر عن فتواهم في ذلك.
* وصفوة القول في ذلك أنه يجب الاحتياط للقيم الإسلامية التي دلَّ عليها الشرع كالفضيلة والعفاف والستر والصيانة، مع مراعاة الحاجة إلى اشتراك المرأة والرجل في مجالات فعل الخير والتعاون على البر والتقوى، والدعوة والإصلاح، وفي مثل هذا تُقدم المصلحة الراجحة على المفسدة المتوهمة.
وترى من خلال هذا القرار حرص المجمع على تأكيد أهمية الفصل بين الجنسين في مؤسساتنا التعليمية، فهذه من أهم الميزات وآكدها في المدارس الإسلامية، فأرجو أن نحافظ عليها ما استطعنا، إلا أن نُغلَب على ذلك بضرورات ملجئة أو بحاجات ماسة، فتقدر الضرورة بقدرها وتقدر الحاجة بقدرها, والله تعالى أعلى وأعلم.