يثير بعض الكُتَّاب فكرة أن هناك بعض المسائل الفقهية قد انتقلت من القانون الروماني إلى الشريعة الإسلامية، بموجب الخلطة التي حدثت بين الحضارتين، فما صحة هذه المقولة؟ وما الغرض الذي يرمي إليه أصحابها؟ أفتونا مأجورين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن القول بأن الشريعة الإسلامية مقتبسة من القانون الروماني فِرْيَة لم تقع العين على أسمجَ منها، ولا أجرأ ممن تولى كِبْرَها! ونستطيع أن نوجز الرد على هذه الشبهة في هذه النقاط:
أ- اختلاف مصادر التشريع؛ حيث إن مصدر التشريع الإسلامي هو الوحي الرباني، أما القانون الروماني فمصدره الأول العادات والتقاليد الغربية، ثم قنن مفكرو الرومان هذه العادات والتقاليد، وكتبوها في كتبهم القانونية، وأصبح هذا القانون الروماني استمرارًا للحياة السابقة في روما، ولم يُحدث انقلابًا في حياتهم ونظمهم الاجتماعية، وأفكارهم السياسية، أما الشريعة الإسلامية فقد أحدثت أثرًا كبيرًا في حياة المسلمين، فغيرت عقائدهم وأفكارهم وتصوراتهم ونظمهم.
إن ما ورثته الأمة من أقوال الفقهاء المجتهدين المسلمين لا تعدو أن تكون تفسيرات واجتهادات، ولا يمكن أن ترقى أن تكون تشريعًا كالتشريع الإلهي، بينما نرى فقهاء ومفكري وواضعي القانون الروماني كان لهم الأثرُ الأكبرُ في تطوير القانون وتغييره على مر الزمان، ففي القانون الروماني نظم لا أثر لها في الفقه الإسلامي، مثل: نظام السلطة الأبوية، والسيادة الزوجية، ونظام التبني، والوصاية على المرأة، وكذلك وجود نظم وقواعد وتشريعات في الفقه الإسلامي لا أصل لها في القانون الروماني، مثل: الوقف والشفعة وموانع الزواج من الرضاع، وكذلك نظام الزواج فردي عند الرومان ومتعدد عند المسلمين، ونظام الميراث تنال المرأة مثل الرجل في القانون الروماني، بينما في النظام الإسلامي لها وضع مختلف قد يقل عن الرجل، وقد يساويه، وقد يزيد عنه بحسب الأحوال، والمرأة تملك حق الطلاق في القانون الروماني، وفى الإسلام الطلاق حق الزوج وحده.
ب- زعمهم أن القانون الروماني تسرب إلى التشريع الإسلامي بواسطة الأحاديث الضعيفة زعم باطلٌ يدل على جهل فاضح بالإسلام وتشريعه! فالأحاديث الضعيفة لا يحتجُّ بها، وعلماء المسلمين يعلمون الصحيح من الضعيف. لقد ادعى «جولد تسيهر» أن كل الأحاديث من مخترعات الإمام البخاري! وهذا ادعاء باطل؛ لأن الإمام البخاري مشهور عنه التحري في قبول الأحاديث وتنقية الصحيح من الضعيف في كتابه «الجامع الصحيح»، وكتابه أوثق الكتب بعد كتاب الله !
ج- زعمهم أن فقهاء المسلمين أخذوا قانونهم الإسلامي من القانون الروماني بواسطة الترجمات العربية للقانون الروماني، أو بواسطة المسلمين الذين كانوا يعلمون القانون الروماني- دعوى باطلة؛ لأنها لا تقوم على وقائع وإثباتات وبينة، وحتى أكثر الباحثين الغربيين من رجال القانون يؤكدون على هذه النقطة بأنه لم توجد ترجمات للقانون الروماني في لغات الشرق، عربية أو غير عربية؛ لأن فقهاء الإسلام كانوا يأنفون من الأخذ والاستشارة والاقتباس من قوانين البشر الوضعية وعندهم كتاب الله القران الكريم! بل إن أكثر البلدان التي دخلت الإسلام قامت بتغيير كل قوانينها وعاداتها وتقاليدها بما يتفق والشريعة الإسلامية، وقد نبغ بينهم كثير من فقهاء وعلماء بالشريعة الإسلامية. لاسيما وأن المسلمين يعلمون أنه قد حرم عليهم الاعتماد على مثل هذه القوانين الوضعية وعندهم كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فالشريعة الإسلامية ما زالت تلك الشريعة الصالحة لكل مكان وزمان.
ومما سبق يتبين لك تهافت هذه الدعوة وجهالة أو سوء طوية أصحابها. والله تعالى أعلى وأعلم.