لقد شاركت الفترة الماضية فى الانتخابات التى حدثت بمِصر ابتداءً من التعديلات الدستورية مرورًا بمجلس الشعب الى حين رئاسة الجمهورية، وأنا غير مقتنع بالديموقراطية التي تمارس، ولكن بناءً على ما يتناصح به الشيوخ فقد شاركت من أجل تحقيق أخف الضررين للبلاد، حتى لا يتم امتلاك البلاد من قبل العلمانيين وغيرهم، ثم ما لبثت أن أصبحت أحضر دروس علم لأحد مشياخنا بمصر وقد أفادنا بالكثير والكثير من عدم جواز هذه المشاركات وتركها لأنها فاسدة وعلى غير منهج السنة، وأنا بالفعل بعدما رأيت ما يحدث الآن إلى جانب عدم استفادة أغلبية التيار الإسلامي من وضعِ دستور يُناسب شريعتنا الإسلامية، إلى جانب أخذ قرارات تُفيد المسلمين وغيرهم.
وخلاصة ما ذكرته أنني نويت أن أترك أي مشاركة سياسية أنا وأهل بيتي؛ لأن ما اتخذناه مِن سَلكِ طريق الديموقراطية بالرغم من مخالفتها للشرعِ لم يُحقق لنا ما هو مطلوب، فأرجو من حضراتكم الإفادة فى هذا القرار، فأنتم أعلم وأدرى منا في الحفاظ على منهج شريعتنا في استخدام السُّبل المؤدية لذلك. زادكم الله علمًا وقدرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن العملَ السياسي لنُصرة الدين من خلال الأحزاب السياسية والمجالس النيابية أسلوب من أساليب الاحتساب واستصلاح الأحوال، بغية تحقيق بعض المصالح، ودفع بعض المفاسد، ورفع بعض المظالم، فهو ليس خيرًا محضًا كما يتوهمه المتحمسون، كما أنه ليس شرًّا محضًا كما يظنُّه المعارضون، ولكنه مما تختلط فيه المصالح والمفاسد، وتزدحم فيه المنافع والمضارُّ، فهو يدور في فلك السياسة الشرعية، ويتقرَّر حكمه في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، وغلبة أحدهما على الآخر، وهو مما تتغيَّر فيه الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال، وقد استقرَّ القولُ بمشروعيته في ضوء جملة من الضوابط والمحاذير، وصدرت في ذلك القرارات المجمعية التي لا يتسنَّى معها تشقيق القول في هذه القضية مرة أخرى، وإعادة الجدل حولها جذعًا، بدعوى أن زيدًا أو عَمرًا قد أفتى فيها بالمنع بالكلية، أو زعم مساسها بأصل الدين، ونقضها لعقيدة التوحيد.
لقد قال فيها أهلُ التخصص كلمتهم، وصدر فيها قرارٌ مجمعي عن المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وغيره من المجامع الفقهية الأخرى، فارجع إليه إن شئت، ولا مجال بعد ذلك لتشقيق قول أو إعادة جدل.
ولقد جاء في وثيقة شرف العمل الدعوي ما يلي:
• يفرض على الكفاية اشتغال بعض أهل الدين بالعمل السياسي ممن آنسوا من أنفسهم القدرةَ على ذلك، ويجب على غيرهم مؤازرتُهم على ذلك، متى رجحت مصلحته على مفسدته، شريطة أن لا تُستنفد فيه الطاقات، وأن لا يُحمل على الاستطالة على الآخرين، وأن لا يكون بديلًا عن الاشتغال بالأعمال الدعوية أو التعليمية أو التربوية.
• الحراك السياسي العام لأهل الدين في المجتمعات ذات التنوع الثقافي ينبغي أن يكون حراكًا إسلاميًّا وليس حراكًا حزبيًّا، ولا يصلح دخول أهل الدين فيه وهم أوزاع متفرِّقون، لا يضبطهم ضابط، ولا يجمع شتات مواقفهم جامع، فإذا لم يتسنَّ الانطلاق في مسيرة واحدة فلا أقل من أن يكون حراكهم العام عن رضًا وتشاورٍ من الجميع من خلال التحاور والتنسيق.
أما أن هذا العمل لا يُناسبك أو لا يناسب أهلَك فمردُّ ذلك إليك، فمن الطبيعي أن هذا العمل لا يلزم أن يدخل فيه كلُّ أحد، ولا يصلح له كل أحد، بل من آنس في نفسه القدرة عليه، والصبر على لَأْوَائِه والتفطُّن لمزالقه، وإلا فلا حرج في أن يؤثر السلامة، من غير أن يُنكر على من ظلَّ وفيًّا لعهده وسائرًا على دربه، وإن الله قد قسَم الأعمال كما قسم الأرزاق.
وأرجو أن يكون الجميع على خيرٍ وبرٍّ، وأن يقنع كلٌّ منا بما قسمه الله له. والله تعالى أعلى وأعلم.