المشهد الليبي والاستقواء بالأجنبي! كيف ترون ذلك في ضوء المستجدات على الساحة الليبية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد سبق لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا أن أصدر في بيانٍ له أثناء الثورة المصرية تحذيرًا مِن الاستقواء بالأجنبي في هذه الأحداث المصيرية، ونص بيانه في هذا الصدد ما يلي:
الاستقواء بالأجنبي على حساب المصلحة الشرعية الوطنية في مثل هذه الظروف أو في غيرها جريمة شرعية وخيانة قومية، فإن خصوم الأمة يتربصون بها الدوائر، وينتظرون هذه الفرجات لينفذوا من خلالها إلى ما يريدون، من الكيد للأمة، والوقيعة بين أبنائها، ولو دخلوا بينها ما زادوها إلا خبالًا ولأوضعوا خلالها! ودروس التاريخ ودروس الحاضر لمن وعاها ناطقة بذلك، فالحذرَ كلَّ الحذر من تمكين هؤلاء مما يريدون!.
إلا أن الحالة الليبية الراهنة تجاوزت كل التقديرات والحسابات، وبلغ الطغيان واستباحة الدماء مبلغًا يفوق الوصف! والمجرمون القابضون على أزمة الأمور لا يردعهم رادع، ولا تمنعهم حريجة من دين أو خُلُق أو قانون؛ فأصبحنا أمام حالة من حالة الضرورة القاهرة، التي يترخص في ظلها في الإتيان من المحظور بما تندفع به هذه الضرورة، ويتوقف به هذا النزيف الدموي المروع! إننا لسنا أمام حرب صليبية كما يحاول أن يصورها الطغاة المستبدون، ولسنا أمام حرب إنسانية بحتة كما قد تصورها قرارات المنظمات الدولية، وقد عرف القاصي والداني لعبة الأمم في أروقة هذه المنظمات الدولية، إنها حرب مصالح، وحرب استحواذ على مقدرات هذا العالم، وما كنا لنقبل بهذا لولا مطارق الضرورة التي أحاطت بهذه الأمة المنكوبة، فلا حرج في الاسترواح بها، والإفادة منها في دفع الظلم أو في تقليله، ومصلحة حفظ النفس والعِرض مقدمة على مصلحة حفظ المال، على أن يتصدر المشهد أهل البصيرة من أهل العلم وحملة الشريعة لكي تبقى الضرورة في نطاقها، ولا يخرج بها عن مجالها، ولكي لا تعصف أمواج الأهواء بسفينة الرجاء!
وكم كنا نود لو نشطت إلى القيام بهذه المهمة الدول الإسلامية، وعندها من القدرات ما يمكنها من ذلك! ولديها من الشرعية الدولية ما يعينها على ذلك، ولو فعلت لكفتنا هذه الخيارات المرة، ولكانت أرفق بأمتها من هذه القوات الأجنبية، ولكنها لم تحرك ساكنًا، واكتفى أمثلها طريقةً بالشجب والإدانة! ومنها من أرسل قواته لتقصف المجاهدين المدنيين إسنادًا للطغاة والمجرمين! فنسأل الله ألا يطول أمد هذه الضرورة، وأن يهيئ للصالحين من عباده أمرَ رشدٍ تنتصر فيه رايتهم، وينتقم فيه ممن ظلمهم، وما ذلك على الله بعزيز. والله تعالى أعلى وأعلم.