أنا دكتور بكلية الهندسة- وحاصل على ليسانس دعوة من جامعة الأزهر- ومتميز في ممارسة الدعوة الإسلامية إلى جانب تميزي العلمي في مجالي الهندسي، وأنا من الإخوان المسلمين، أشعر أن الدنيا قد ضاقت بي في مصر، وربما ننتظر أحداثًا كأيام 54 إلَّا أن يقدر الله لنا أمرًا آخر. هل يجوز لي شرعًا أن أبحث عن عملٍ في أمريكا أو غيرها؟
أمامي فرصة للعمل بالدعوة في أمريكا، وربما أجد فرصةً للعمل في مجالي الهندسي في ماليزيا، أو أن أسافر لها بدون تأشيرة وأبحث عن العمل هناك. هل يكون هذا هجرة بالدين أم أنه تولي يومَ الزحف؟ هل في هذا حقن لدمي ودم أبنائي (كما حدث مع بعض الإخوان في 54 عندما سافروا إلى قطر) أم هو خذلان لإخواني؟ هل تختلف الفتوى إذا كان السفر للعمل بالدعوة أو للعمل في مجالي الهندسي؟
أفيدوني بارك الله فيكم لأن عقلي قد طاش وقلبي يعتصر ألمًا وعجزت عن التفكير. وأنا في حاجة إلى رأيكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله أن يجعل لنا ولك من همنا فرجًا ومن ضيقنا مخرجًا، وقد تدبرت مسألتك، ونهج لي فيها أن أولى المواقف بالصواب في ذلك أن تأتمر بينك وبين مرجعيتك الدعوية في ذلك بمعروف، فلعلَّهم يوفِّرون عليك عناءَ التفكير في هذا، ويوفدونك في مهمةٍ دعوية تتعلق بالتعريف بالقضية، وتألف القلوب عليها، وجمع الدعم لها، وأظنك بخلفيتك العلمية والشرعية مؤهلًا لذلك غاية الـتأهيل.
ووجه اختياري هذا الموقف لك هو الاعتبار بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 62 – 64].
وأحب لك أن تكون من الذين مدحهم الله بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النور: 62]. ولا أحبُّ لك أن تكون ممن ذمَّهم الله تعالى بقوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
وبقيت كلمة تتعلق بتعقيبك على الفتوى المنشورة تحت عنوان: حول السلمية في التظاهرات، ومشاركة النساء والأطفال فيها، عندما قلت: قد علم باليقين أننا إن جلسنا في بيوتنا فسيعتقلونا من بيوتنا ويقتلوننا شرَّ مقتل؛ أليس هذا هو جهاد الدفع وليس الطلب، والفتوى لم تدعُ الناس إلى القعود عن جهاد الدفع السلمي، وإنما دعتهم إلى التخفف من اصطحاب النساء والأطفال في هذه الأهوال، فلعلَّك تراجعها مرة أخرى بارك الله فيك. والله تعالى أعلى وأعلم.