فضيلة الشيخ، قرأتُ موضوعًا يتحدَّث بأن الرسولَ عليه الصَّلاة والسَّلام قد أَمَر بعدم تدوين السُّنَّة، مُستدلًّا بهذا الحديث: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي؛ وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(1)، وعدد من الأحاديث الصحيحة التي تتحدَّث عن هذا السياق، ثم أردف قائلًا: إذًا فإنه غيرُ منطقيٍّ أن نتَّبع أحاديثَ جُمعت بعد موت الرسول بمائتين وثلاثين سنةً، غير أن وصيَّةَ الرسول واضحةٌ تمامًا، وهو ينهانا عن كتابة أحاديثه ويأمرنا باتِّباع القرآن وحده، والتاريخ يُساند اتِّباعَ القرآن وحده، واستأذَن أحدُ الصَّحابة الرسولَ في كتابة أحاديثه فلم يأذن له، واستدلَّ بهذا الحديث: حدَّثنا سفيانُ بن وَكِيع، حدثنا سفيان بن عُيَيْنة، عن زَيْد بن أَسْلَم عن أبيه، عن عَطَاء بن يَسَار، عن أبي سعيد الخُدري قال: استأذنَّا النبيَّ ﷺ في الكتابة فلم يَأْذَنْ لنا(2)، وغيره من الأحاديث التي تتحدَّث في سياق الموضوع، ثم اختتم موضوعه بهذه النقاط:
1) القرآن الكريم كامل.
2) القرآن مُفصِّل كل شيء.
3) القرآن مُبيِّن كلَّ شيء.
4) القرآن أحسن الحديث.
5) لا حديث بعد القرآن الكريم.
6) اتِّباع مصادر غير القرآن يُعَدُّ كُفرًا بالله ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ فاصل الآيات وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾} [الأنعام: 112- 113]، محمد قد يُخطئ إذا تكلَّم بلا وحيٍ من الله.
8) محمد أُوحي إليه بالقرآن ولا شيء غيره.
9) دعوة من الله إلى اتِّباع القرآن وحده.
10) محمد يذكر بالقرآن.
11) الله يمنع الكافرين من اتِّباع القرآن وحده، ومن هنا يتبيَّن أن كاتبَ المقال يُريد أن يعتمد فقط على القرآن مصدرًا للتشريع، فما رأي الشرع؟
______________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الزهد والرقائق» باب «التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم» حديث (3004) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) أخرجه مسلم معلقًا في «المقدمة» عقب باب «بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذَّبِّ عن الشريعة المكرمة»؛ من قول محمد بن سيرين.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فهذا المقال سلسلة من الأغاليط والأباطيل، فقد اتَّفقت الأمة سلفًا وخَلَفًا على حُجِّيَّة السُّنة، ودلَّ على ذلك ما لا يُحصى من الآيات القرآنيَّة، وبَدَاهةُ العقل تُؤكِّد ذلك، إذ كيف نعتمد على القرآن وحده في معرفة تفاصيل الصَّلاة والزكاة والحجِّ ونحوه، ولم يُعرَف ذلك إلا بالسُّنة؟!
وقد قيَّض اللهُ للسُّنة الحُفَّاظَ الجهابذة الذين حفظوا للأمة سنةَ النبيِّ ﷺ ونَقَدوها نَقْد الصيارفة الـمَهَرة، وتحقَّق بهم قولُ الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].
وأُذكِّر السائلَ بأن هذا العِلمَ دِينٌ، فانظروا عمن تأخذون دينكم(1)، وتَسوُّق المعرفة الشرعيَّة عبر الإنترنت لا يصلح سبيلًا إلى الهدى أو التعلُّم النافع، فلا تُضيِّع وقتًا في مثل هذه التخبُّطات الإلكترونيَّة.
وننصحك بالرجوع إلى كتب الثقات المعتمدة في بيان حُجية السنة؛ ككتاب «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» للدكتور مصطفى السباعي، وكتاب «حجية السنة» للشيخ عبد الغني عبد الخالق، وكتاب «دفاع عن السنة» للدكتور محمد أبو شهبة، وغيرها كثير والحمد لله.
ونسأل اللهَ لك الهُدَى والتُّقَى، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي في كتاب «العلم» باب «ما جاء في كراهية كتابة العلم» حديث (2665). وصححه الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (2665).