يقول بعض أهل العلم: إنه إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها فالواجب على الولد إيصاله إليها، نص على هذا فقهاء المالكية(1).
وقال ابن عاشور: قال فقهاؤنا: إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكانت عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر؛ لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكرًا في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه.
وذكر بعض أهل العلم أن الزواج بالكتابية يستلزم أيضًا السماح لها بالبقاء على دينها إن شاءت وعدم الوقوف في وجه أدائها لشعائر هذا الدين إن أرادت، وألا تُجبر على الإسلام ولا تدخل فيه إلا برضاها، وهذا من المعلوم من الدين ضرورة لا يماري فيه إلا جاهل.
وقرر أهل العلم أن الوالدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس الأب كالأجنبي، وكذلك ألحقوا بهما الأزواج وقالوا: إذا رأى الولد مُنكرًا من والديه يأمرهما، فإن قبلا فبها وإن كرها سكت عنهما.
وأقوال أهل العلم في هذا الباب كثيرة، وهي إن دلت على شيء فهي تدل على أن معاشرة الكافر والفاسق ممن له حق واجب في الصلة والعشرة تختلف عن معاشرة غيرهم، ويُغتفر فيها ما لا يُغتفر في غيرها.
السؤال: أَلَا يُعارِض بعضُ ما قرره هؤلاء الفقهاء قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، وقول النبي ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ…» الحديث(2)؟ أم أن هؤلاء الفقهاء يراعون بعض الاعتبارات التي تخفى علينا؟
وأخيرًا أتمنى منكم أن تزودونا بكتاب أو رسالة دكتوراه في فقه معاشرة الزوجة الكتابية والوالدين الكافرين؟
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «الفواكه الدواني» (2/289-291): «(ومن الفرائض) العينية على كل مكلفٍ (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما (ولو كانا فاسقين) بغير الشرك بل (وإن كانا مشركين) للآيات الدالة على العموم، والحقوق لا تسقط بالفسق ولا بالمخالفة في الدين، فيجب على الولد المسلم أن يوصل أباه الكافر إلى كنيسته إن طلب منه ذلك وعجز عن الوصول بنفسه لنحو عمًى كما قاله ابن قاسمٍ».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان» حديث (49) من حديث طارق بن شهاب .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما ذكره الطاهر بن عاشور نقلًا عن المالكية موضع نظر، والذي يظهر لنا أن على الولد أن يبر أبويه في غير معصية، وليس له أن يبرهما بجلب الخمر لهما؛ لما يتضمنه ذلك من الإعانة على الإثم، وفيما أحله الله من أنواع البر المشروعة متسع ومنادح كثيرة، ولكن يبذل لهما من المال ما تتحقق به الكفاية بالمعروف، ويتوليان بأنفسهما أو بإعانة أحد من أهل دينهما أمر شهواتهما غير المشروعة. والله تعالى أعلى وأعلم.