شيخنا الإخوة القائمون على المسجد ينتظرون فتوى بخصوص هذا الأمر، وهو: أننا بنينا مسجدًا بجوار النيل، لا يفصل بينه وبين النيل شارع ولا طريق بل هو عليه مباشرة، وصرف المسجد لا يوجد له مخرج آخر في المكان إلا على النهر. مع العلم يا شيخ أن ماء النهر هذا لا ينتفع منه بشرب ولا غيره وذلك لملوحته بسبب قربه من البحر المتوسط؛ حيث يبعد عنه بما يقرب من 200 أو 300 متر. فهل يجوز الصرف عليه؟ مع العلم أيضًا بأن كل المنطقة هذا هو صرفها. فكيف يكون الأمر مع عدم وجود مخرج آخر للصرف؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن التناهي عن مظاهر العدوان على البيئة بكلِّ مكوناتها، ومواجهة كل عدوان واقع أو متوقع عليها، محافظة على حقِّ الأجيال الحاضرة والقادمة في العيش في بيئة نقية من التلوث بأنواعه المختلفة، وترشيد التقدم الصناعي والتقني لتلافي المخاطر والكوارث التي تعمُّ الجنس البشري بشعوبه كافة- من جملة ما تعبَّد الله به عباده، قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، فهو ليس مجرد تراتيب إدارية بحتة، بل هو واجب من الواجبات، وقربة من القربات.
وفي هذا السياق جاء نهيه صلى الله عليه وسلم عن البولِ في الماء الراكد؛ فقد روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائم الذي لا يجرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فيه»(1).
والنصوص في ذلك كثيرة، وقد كتبتُ فيه بحوثًا مستفيضة، وحسبك أن أول أركان الإسلام العمليَّة وأول ما يُسأل عنه يوم القيامة الصلاة(2)، ومن أهم واجباتها الطهارة، فالصلاة تستلزم طهارة البدن واللباس والمكان من الأخباث والقاذورات. ويدخل في هذا الإطار نظافةُ مصادر الماء: فالماء نعمة كبرى وسبيل عملي لحياة الإنسان والحيوان والنبات، وإفساده يؤدي إلى مخاطر كبيرة تهدد جميع عناصر البيئة.
ومن ناحية أخرى فلا شكَّ أن للضرورة أحكامها، وقد يسوغ تحت وطأة الضرورة ما لا يسوغ في الأحوال العادية، على أن تُقدَّر بقَدْرِها ويسعى في إزالتها، فارجعوا في ذلك إلى أهل الخبرة في هذا المجال، واسترشدوا بالقوانين السارية؛ لأن الفتوى تقوم على ركنين: المعرفة بالشرع، والدراية بالواقع؛ فإن كانت لكم بدائل فهي أولى، ولا تبغوا بذلك بدلًا، وإن كانت الأخرى فإنه يرخص للمضر ما لا يرخص لغيره. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الوضوء» باب «البول في الماء الدائم» حديث (239) ، ومسلم في كتاب «الطهارة» باب «النهي عن البول في الماء الراكد» حديث (282) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) فقد أخرج الطبراني في «الأوسط» (4/ 127) حديث (3782) من حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْظَرُ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 292) وقال: «رواه الطبراني في الأوسط وفه خليد بن دعلج ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني وقال ابن عدي: عامة حديثه تابعه عليه غيره»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1358).