أفتني يا دكتور صلاح، اقترب موعد زواجي وأبي يريد أن يصنع لي فرحًا على الطريقة العادية؛ يعني قاعة بها أهلُ العريس وأهلُ العروس وأغاني وهكذا، رفضت في بداية الأمر، وأنا لا أملك مالًا حتى أنفذ فرحًا إسلاميًّا فقال لي والدي: لا تحمل همَّ الفرح ولكن سأفعله على طريقتي. فقلت له: لا لن أفعل. وغضب مني. وبعدها سألت خطيبتي ووجدت المفاجأة أنها هي أيضًا تُريد فرحًا عاديًّا وتريد أن تكون بمكياج، وهي تقول: سيكون مكياجًا خفيفًا. وعندما وجَّهت لها اللومَ: كيف ذلك وأنتي خريجة الأزهر وخاتمة القران. فغضبت مني وبكت كثيرًا وقالت أني لا أريد أن أفرحها مثل بقية البنات. وفي نهاية الأمر قالت: سأفعل ما تريد. لكن كلها نكدٌ وبكاء وكأنها تقول لي ذلك حتى لا أغضب.
ولكن ماذا أفعل؟ أنا ملتَحٍ وأحاول الالتزام بدين الإسلام بقدر المستطاع وأبي وأمي يقولان: لن نصنع هذا الفرح حتى تفرح أنت! ولكن حتى نفرح نحن، فأنت أول ولد لنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فماذا أقول لك يا بني إلا أن الله تعبَّدك بطاعته، وتعبَّدك ببرِّ والديك وصلة رحمك؟! فأطع ربك وبرَّ والديك.
لم أفهم قولك: (إنك لا تملك مالًا حتى تنفذ فرحًا إسلاميًّا) هل المشكلة في توفير المال؟ أم أنها في الفرح الإسلامي ذاته؟ أي هل اعتراض الوالد على مبدأ الفرح الإسلامي؟ أم أن اعتراضه على النفقة على هذا الفرح وإصراره على أنه إذا كان سينفق على الفرح فلابد أن يفعله على طريقته؟ إن كان ليس لديه الاعتراض على مبدأ الفرح الإسلامي فلم لا نتجه هذا التوجه، ولو كان ذلك عبر قرضٍ حسنٍ أرجو أن يعينك الله على سداده!
أقول لك يا بني: إذا كان ذلك كذلك فأقم الفرح الإسلامي الذي تريد، وأعف والدك من عناء تحمل مصروفاته وتبعاته المالية، وأحسن الظنَّ بربك، وثق في لطائفه وفي فيوضات عطائه، وأرى أن المشكلةَ إذا انحصرت في المال فهذا أمرٌ هين ويمكن تدبيره.
إما إذا كانت الأخرى، وكان اعتراضه على مبدأ الفرح الإسلامي فلتكن البداءة بالنصيحة: وجه إليهم هذا السؤال: أتريدونني أن أغضب ربي بدلًا من شكره على ما أسبغه عليَّ من نعمة في هذه الليلة؟! أتريدون أن تفرحوا على حساب نكدِي وغمي في ليلة عرسي؟!
بيِّن لهم أنك تفعل ذلك من أجلهم كذلك، فأنت تخافُ عليهم من غضب الله عز وجل، وتريد لهم أمانًا من حسابه وعقابه يوم القيامة، وابدأ كذلك بالحديث إلى زوجك خريجة الأزهر وحاملة القرآن، واكسب تعاطفها معك، وإيمانها بسلامة موقفك.
فإن وصلت في هذا وذاك إلى طريق مسدود، فقلِّلِ المفسدةَ يا بني ما استطعت، وابرأ إلى الله مما قام به والدك وعجزت عن منعه، وأرِ اللهَ من قلبك أنك كارهٌ لذلك، ولا يزال لسانك رطبا بالدعاء وبذكر الله(1)؛ فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامها وإن شاء أزاغها (2).
وسل الله أن يشرح صدر والدك وزوجك لما تدلُّهما عليه من الخير. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (4/ 188) حديث (17716)، والترمذي في كتاب «الدعوات» باب «ما جاء في فضل الذكر» حديث (3375) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ فأخبرني بشيء أتشبث به. قال: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ الله». وقال الترمذي: «هذا حديث حسن».
(2) فقد أخرج الترمذي في كتاب «القدر» باب «ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن» حديث (2140)، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم» حديث (3834) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟! قال: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»، وقال الترمذي: «حديث حسن».