دكتور صلاح الصاوي, أسال الله أن يتقبل منا ومنكم الصيامَ و القيام، شيخنا عندي سؤال أتمنى أن أجد عندكم الإجابة:
في مرحلة شبابي ودراستي في فرنسا, اشتغلت كحارس أمني لمحلات تجارية كعمل أحصل فيه على المال؛ لتغطية مصاريف الدارسة في فرنسا ومصاريف الحياة والسكن، ظروف الشغل كانت صعبة؛ جهد جسدي كبير ووقوف طوال اليوم، والراتب متوسط. المهم أن الشيطان سوَّل لي السرقة من المحل الذي أعمل فيه منتجين (التكلفة ما بين 80 إلى 120 دولارًا)، حاليًّا أنا نادم على الذنب، وأسأل الله أن يتوب علي, وأعلم أني أخطأت في حق الله رغم أن الشركة التي اشتغلت فيها يملكها فرنسيون غير مسلمين.
سؤالي بارك الله فيكم: كيف يمكن أن أكفِّر عن السرقة بعدما ندمت وسألت الله أن يتوب علي؟
الأمر مَرَّ عليه أكثر من ثماني سنوات, وأنا أسكن دولةً أخرى غير فرنسا, قرأت لو أن المسروق منه مسلم يمكن أن نتصدق بالمبلغ له, ولكن الشركة يملكها كفار، فكيف أرُدُّ لهم حقهم؟
وعندي سؤال يا شيخ, كيف يمكن للمسلم أن يُطهِّر نفسه وماله وعرضه من المعاصي التي نسيها أو عملها بدون قصد, حتى يلقى الله وهو عليه راضٍ؟
أسال الله أن يتوب علينا ويرزقنا وإياك رفقةَ النبي العدنان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فاعلم يا عبد الله أن من دخل إلى بلد غير إسلامي بموجب تأشيرةِ الدخول فإنه ملتزِمٌ بمقتضى هذه التأشيرة بعدم التعرُّض لشيء من دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم بسوء، فإن فعَل أثِمَ وضَمَن؛ لأن هذه التأشيرة بمثابة عقد أمان يجب الوفاء به، ولا يصلح في ديننا الغدرُ.
يقول الماوردي: «وقد أجمع الفقهاء على أنه إذا دخلَ مسلمٌ دارَ الحرب بأمان أو بموادعة حرُم تعرضه لشيءٍ من دمٍ ومال وفرج منهم؛ إذ المسلمون على شروطهم(1)»(2).
والإثم هنا قد يكون مضاعفًا؛ لأنه يقطع الطريقَ على الله عز وجل بالـمَثَل السيِّئ الذي يقدمه عن الإسلام والمسلمين بهذا السلوك الشائن.
فيلزمك يا عبد الله أن تتوبَ إلى الله مما كان منك، وأن تتصدق بهذا المال؛ ليكون رصيدًا لك يوم القيامة، فإذا جاء هؤلاء غدًا يطالبون باستيفاء حقوقهم كان لك رصيدٌ تؤدي منه، فإن يوم القيامة لا توجد دراهم ولا دنانير، وإنما هي الحسنات والسيئات.
أما الذنوب التي لا تذكرها أو لا تعرفها فأكـثِر من التوبة والاستغفار العام لما علمت وما لم تعلم، ولما ذكرت وما لم تذكر، وأكثر من فعل الخيرات، فإن الحسنات يذهبن السيئات(3)، وربك أهل التقوى وأهل المغفرة(4). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب «الأحكام» باب «ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح» حديث (1352) من حديث عمرو بن عوف بن زيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الْـمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (1352).
(2) «الأحكام السلطانية» (1/179).
(3) قال تعالى: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } [هود: 114].
(4) قال تعالى: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56].